نجاة دبي من الأزمة

TT

دبي، على الأرجح، كانت أكثر المدن تأثرا بالأزمة المالية العالمية. ويبدو أنها أصبحت أكثرها تعافيا كما نرى على الأرض. أما ما الذي يهمنا في تعافي دبي، لأنه يوجد أكثر من سبب. واحد أنها التجربة اليتيمة التي يطالعها الجميع إما بطموح أو تشكيك، حيث صارت مختبرا مهما للتنمية الإدارية في المنطقة. ولو أخفقت التجربة الدبوية لكان ذلك حكما بفشل شراكة القطاع الخاص، وكان إعلانا بانتصار البيروقراطية العربية. لهذا نجاح دبي، أو لنقل نجاة دبي، تستحق الاحتفاء بها لأنها نجاح للفكرة التي نريدها أن تعم، ولأنها النجاح الذي قام بدون بترول أو معونات في منطقة لا تعيش إلا على هاتين الحسنتين.

ومع أن دبي لا تحب أن تعترف بأنها أصيبت بشكل موجع في انهيارات الأزمة العالمية، إلا أننا لسنا في حاجة إلى بيانات اعتراف رسمية، فالواقع والأرقام ظاهرة للعيان. ربما كرهت الاعتراف لأنها تخشى أن يأكل الفزع الأخضر مع اليابس، وبالتالي تفرغت لترتيب بيتها وحماية الناجح والواقف. ومع أن الأزمة الخطيرة عمرها عام فقط إلا أننا في دبي نستطيع أن نزعم أننا نرى علامات الخروج من النفق أكثر من أي مكان آخر مماثل، وهذه في حد ذاتها ولادة جديدة، وتأكيد على نجاح تجربة دبي أنها سليمة والتي تم امتحانها في أخطر الظروف الاقتصادية التي مر بها العالم في مائة عام. ونجاحها له آباء عدة إنما السبب في ظني يكمن في الإصرار على ممارسة المشروع الأصلي بحماية الحريات الاقتصادية، والتخفيف من البيروقراطية، والمراهنة على تجاوز المحنة بأقصى قدر من السير المتعقل، ولا شك أيضا أن إصرار الشيخ محمد بن راشد، حاكمها، على المضي في المشروع وبأعصاب باردة في مناخ اقتصادي ملتهب، هو الذي أنقذ التجربة وحماها.

ولا تجوز مقارنة دبي بالمدن سريعة النمو، مثل أبو ظبي والدوحة والرياض، حيث لم تتوقف عجلة البناء فيها، لأن دبي تعيش على مفهوم وموارد مختلفة تماما. ومستقبل هذه المدن أيضا زاهر، خاصة أنها لم تكبح نشاطاتها بعد تراجع المداخيل البترولية بل استمرت، وبعضها ضاعف سرعته مستفيدة من الركود في السوق العالمية.

صحيح أننا لن نرى قريبا مشروعي النخلتين الموعودين، وهو أمر ليس مأسوفا عليه لأسباب بيئية، لكن في دبي استمرت المشاريع الحكومية المكلفة التي كنا نظن أنها الضحية الأولى، على اعتبار أن معظم موارد الإمارة تجارية، كما أصرت الإمارة على إكمال مشروع المترو، كرسالة واضحة بأن الهدف ليس نقل الركاب بقدر إقناع الجميع، المشاركين والمتفرجين، بأن قطار دبي التنموي ماض ولو على حسابها. بنفس المفهوم سار البناء في موعده في مشروع بناء أطول ناطحة سحاب في العالم، وأضيئت أنوارها الأسبوع الماضي، وسينتقل السكان إلى البرج الشاهق بعد ستة أسابيع، في الموعد المضروب قبل الأزمة.

والحقيقة أن نجاح دبي لم يكن أبدا شارع الشيخ زايد المكتظ بناطحات السحاب، ولا الفنادق التي يتجاوز عددها كل فنادق الدول العربية السياحية مجتمعة، بل مفهوم النجاح الاقتصادي القائم على فكرة خلق البيئة الحرة الصالحة للاستثمار تحت إدارة مبدعة. إن النظر إلى الازدحام الهائل في ترانزيت مطار دبي لم يأت صدفة بل نتيجة فكرة وعمل محسوبين. ولا تزال دبي تخدم إلى اليوم أسواق الخليج والعراق والهند وإيران وتربط الشرق بالغرب أكثر مما هي فقط مدينة محلية مزدهرة كما تبدو للعين المجردة.

[email protected]