تفجيرات الأحد.. غرور وطائفية ونقص في الخبرة

TT

هكذا تكررت عمليات الأربعاء الدامي في يوم الأحد الماضي، برغم توافر فاصلة زمنية تزيد عن شهرين كانت كافية للبحث الأمني المفصل لتحديد الثغرات ومنع تكرار التفجيرات الإجرامية، التي راح ضحيتها في المرتين نحو ألفي شخص بين قتيل وجريح. مما يدل على حجم التخبط السياسي والأمني، والنقص الفادح في الثقافة الأمنية على مستوى كبار المسؤولين في رئاسة الحكومة وغيرها، وضعف التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية، التي فاق عددها وتعدادها ما كان موجودا في العراق في ذروة قوته الأمنية، والقوة العددية الكبيرة (جدا) للجيش والشرطة والمؤسسات الأمنية وشركات الحماية.

في عمليات الأربعاء تسرع المالكي في توجيه الاتهام إلى سورية وما سماه «تحالف البعثيين مع التكفيريين»، برغم التناقضات الحادة في تصريحات العديد من المسؤولين. وطبقا لما قاله لي مُطّلع كبير مؤخرا، فإن وزير الداخلية العراقي، الذي سُجلت له ممارسات وطنية متوازنة، أخبر المالكي بعدم وجود معلومات لدى وزارته تثبت وقوف سورية وراء تفجيرات الأربعاء، إلا أن المالكي أصر على موقفه، مبينا أن لديه معلومات خاصة لم يكشف عن مصدرها.

وبالفشل في منع هجمات الأحد أو إجهاضها، تستكمل حكومة المالكي مسيرة الفشل الذريع، حيث شغلت بلا شك، موقع الحكومة الأكثر فشلا ليس في العراق فحسب بل في عموم المنطقة. ولم تستطع قوات التحالف التي رمت بثقل لا مثيل له منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية من تمكينها من تحقيق نجاح يُذكر. وذلك له أسبابه، أهمها: اتباع رئيس الحكومة وفريقه الدعوي نهجا طائفيا لا سابق له منذ الاحتلال الصفوي للعراق، فتحول فشلا في بناء قوات مسلحة حرفية وحيادية برغم توافر إمكانات مالية تجاوزت 200 بليون دولار، وخبرات عسكرية وأمنية عراقية مميزة، وعقدته المستعصية تجاه ضباط الأمن والاستخبارات، وعدم تقبله تقلد شخص من خارج الجوقة الطائفية لأي منصب مهم، إلا إذا فُرض عليه. يضاف إلى ذلك عدم وجود ممارسة وظيفية مهمة له في اختصاصات الدولة قبل التغيير وبعده قبل الوصول إلى رئاسة الحكومة.

لقد أخذ المالكيَّ الغرورُ بما تحقق من نتائج أمنية لم يكن له دور بنّاء فيها، بقدر ما كانت سياسته عنصر استفزاز. وصرف معظم وقته من أجل بقائه في الحكم، الذي يفترض أنه أصبح مستحيلا، ومن أجل وضع أسس خطيرة جدا على المستوى الطائفي، حيث تُبذل في وقته جهود مريبة من أجل التخطيط لتغيير هوية مناطق حساسة من العراق، ومحاولة إقصاء أهلها عن مركزها بأموال الدولة وسلطتها، مما سيترك أثرا خطيرا على مستوى المنطقة والعالم، وهو ما سنأتي إليه في مقال آخر.

ويُستخلص من نهج المالكي أن كل ما يريد فعله هو أن يترك بصمات طائفية تبقى مقرونة باسمه من قبل ذوي التوجهات المماثلة، وهكذا هو ديدن الأحزاب الطائفية من أي لون كانت، التي ارتكب مُعِدُّو الدستور الأصليون خطيئة كبرى بعدم وضع أسس تحريم الأحزاب الدينية التي لا تعني في بلاد التنوع غير التصادم ولو بعد حين.

وفي شؤون الأمن لا يمكن تحقيق النجاح بعملية كبرى واحدة ما لم تستند إلى دعم جماهيري وقدرات فنية غير عادية، وفي الوضع العراقي لا وجود لهذين العنصرين، بسبب السياسة الخاطئة، وتعبير الخاطئة هو أقل ما يمكن إطلاقه على ممارسات حكومة المالكي، وبسبب الحرب الشعواء التي شنت على كل من كان عاملا في أجهزة الأمن والاستخبارات، فحرم الأجهزة الجديدة من الخبرات.

وظن المالكي أنه قادر على محو الوجود البعثي من العراق في ظل الدعم الإيراني وحاجة أميركا إلى إعادة الأمن إلى العراق، ويشمل إطار الوصف البعثي وفق ما يستخلص من مفهوم المالكي من حيث المبدأ كل ما لا يسير ضمن توجهه الطائفي. وقبل أن يتوقف صدى تصريحات كبار المسؤولين في التفاخر بأن طلب تشكيل المحكمة الدولية أدى إلى تراجع مستويات العنف حصلت تفجيرات الأحد الدموية الإجرامية، التي وُجه الاتهام بها كالعادة إلى تحالف البعث والتكفيريين، تحت مصطلح درج على اقتباسه من مصادر أخرى.

الغريب في الاختراق الأخير، حصوله في منطقة تفرض عليها رقابة دقيقة وحماية مشددة وتقع على حافات المنطقة الخضراء، والاستنتاج المنطقي هنا هو أن مثل هذه العمليات تدل على أن للمخططين باعا طويلا وتغلغلا عميقا في مؤسسات النظام الحالي، أو أن الأجهزة الحالية لا تمتلك مقومات النجاح وليست مؤهلة للقيام بالمهمة، وفي الحالتين تقع المسؤولية الكبرى على رئاسة الحكومة التي تحاول فرض هيمنة حزبية على الأجهزة.