عقدة كرزاي

TT

مع «إعادة انتخاب» الرئيس حامد كرزاي، إن كانت تلك هي الكلمة الصائبة لعملية اتسمت بالتلاعب في التصويت وإلغاء الجولة الثانية من الانتخابات، تواجه الولايات المتحدة حاليا أصعب معضلة على الإطلاق بشأن أفغانستان، تتمثل تلك المعضلة في كيفية تحسين الحكم ـ الذي يتفق على ضرورته لهزيمة طالبان ـ من دون انتزاع السلطة من المسؤولين الأفغان؟

وقد اتخذ الرئيس الأميركي باراك أوباما الخطوة الأولى بشأن ذلك المأزق عندما اتصل هاتفيا بكرزاي يوم الاثنين لتهنئته والتي كانت تقريعا في الوقت ذاته. فقد حث الرئيس الأفغاني على بذل المزيد من الجهد لمحاربة الفساد، حيث وعد كرزاي في اليوم التالي باجتثاث الفساد.

هذه المعضلة الأميركية ليست بالجديدة: تتمثل في كيفية قيام قوة كبرى بحل المشكلات في بلد بعيد من دون إملاء السياسات بصورة قد تضعف في نهاية الأمر الأشخاص الراغبين في تقديم العون؟ وخلال السنوات الماضية قمنا بارتكاب الخطأ نفسه في فيتنام والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية.

تتطرق قضية الحكم إلى المحادثات التي يجريها المسؤولون في واشنطن بشأن أفغانستان. والمشكلة تكمن بصورة جزئية في الفساد وافتقار حكومة كرزاي للكفاءة وكذلك الحالة البدائية للمؤسسات القضائية والسياسية الأفغانية. إنها نقاط الضعف الأخطر التي يرغب الأميركيون في إصلاحها، لكنهم أكثر تشككا بشأن الحل.

وأبدى العديد تأييدا لتدخل أميركي يجبر كرزاي على القيام بإصلاحات ضرورية، غير أن بعض صناع السياسة الأميركية يبدون خشيتهم من أن تزيد تلك المحاولة من إملاء السياسات الأمر سوءا، إذ من المتوقع أن تشكل إهانة للأفغان وتقوض من الجهود الهشة التي تبذلها الدولة في سبيل حكومة ذاتية.

ويصر أحد كبار المسؤولين الأميركيين على أن فكرة إملاء الأوامر على كرزاي خاطئة، إذ يجب عليه أن يشعر أنها فكرته هو. وقد طرحت العديد من المقترحات الآن في أوساط الإدارة حول كيفية التعامل مع الفوضى الحكومية، وكان أحد الاقتراحات إنشاء مجلس الأعيان، يضم الشخصيات الأفغانية والدولية البارزة لمساعدة كرزاي. واقترحت أخرى منصبا استشاريا لمستشار أمني واقتصادي، فيما اقترحت أخرى إنشاء جمعية دستورية جديدة لتوسعة الدائرة السياسية ووضع قواعد جديدة للحكم.

لكن هل كرزاي قادر على التغيير؟ يرى بعض الخبراء الأميركيين أن حكومة كرزاي مؤسسة إجرامية تمتلك مليارات الدولارات. فالرسوم الجمركية التي يتم تحصيلها من معبر تورخام على الحدود الباكستانية تقدر بـ13 مليون دولار شهريا. كما أن المليارات تنهب من المعونات الاقتصادية والعسكرية. وأخيرا تأتي تجارة المخدرات التي يحصل منها تجار المخدرات على مليارات الدولارات.

هذا الفساد الذي تشهده الدولة يغذي تمرد طالبان ـ ليس الفساد فقط بل والأحاديث الأميركية المزعومة بشأن سيادة القانون. وحذر الخبراء من أن ازدياد شعبية طالبان بين الأفغان يأتي من حقيقة أنها تقدم نقيض ما تقوم به شبكة الحكم في كابل الأشبه بالمافيا وداعميهم من الأميركيين.

وخلال زيارتي التي قمت بها خلال الأسابيع الماضية لأكثر من ست قواعد أميركية في أفغانستان، سمعت خططا عن تحسين الحكومة المحلية في كل قاعدة توقفت بها، حيث يقوم الجنود الأميركيون وعمال الإغاثة بحضور الاجتماعات الأسبوعية لمجالس الشورى في المقاطعات والأقاليم لمعرفة ما يريده الناس هناك. لكن أحد منسقي المساعدات الأميركيين حذر من ذلك الآن لأن الروابط بين الجهود المحلية والحكومة الوطنية غير قائمة بالفعل.

تعد إقامة مشروعات الحكم الجيد صناعة نامية في أفغانستان. ففي كل مقابلة أجريتها خلال زيارتي للقواعد الأميركية كنت أسمع من قادة هذه الوحدات عن كيفية قيام وحدته ببناء الثقة وتمكين القادة المحليين من اتخاذ القرار. لكن الحقيقة أن هناك بعض من عدم المصداقية في هذه التقديمات. فهناك خطة لتدريب 10,000 عامل سنويا في أعمال الخدمة المدنية وتجنيد 3,500 شرطي أفغاني نزيه كل شهر وكذلك ضعفهم في الجيش الأفغاني. لكن تلك الخطة تتطلب تجنيد 32% من الذكور في سن التجنيد. لكن وضع مثل هذه الأهداف أمر وتحقيقها أمر آخر.

عندما تذهب الولايات المتحدة إلى حرب بنطاق حرب مثل أفغانستان تخلق نوعا من الحقيقة البديلة. فأميركا كبيرة وقوية جدا (وغالبا متعالية) لدرجة أن غالبية الأفراد يركبون الموجة ويدعون العم سام يذهب إلى الحرب. ويبدي العدو العنيد احتجاجا على الاحتلال الأجنبي بالقنابل المزروعة على جانب الطريق والهجمات الانتحارية.

تلك هي ازدواجية الاتكال والغضب التي تواجهها الولايات المتحدة في أفغانستان، والتي يجب أن تتوقف.

إن أفضل رسالة لكرزاي هي الحقيقة: فما يتحسن الحكم في البلاد فإن الجهود الأميركية الضخمة لن تستمر أكثر من عام آخر. ولن يمكننا القيام بذلك نيابة عنه. وبالنسبة للمأزق السياسي في أفغانستان الحل بسيط للغاية: إما الإصلاح أو الموت.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص «الشرق الأوسط»