ارتاحوا.. وريحوا!

TT

وأخيرا خرجت المعارضة اللبنانية بطوائفها ورموزها المختلفة تعلن موافقتها ورضاها عن تشكيل الحكومة اللبنانية بعد شهور طويلة جدا من الاعتراض والتشكيك والسجال تسببت في التوتر والتشنج بلا أي سبب مقنع وحقيقي. والواضح أن التعطيل لم يكن سوى أداة ضغط استهلكت الساسة بشكل كبير وشغلتهم عن هموم أكبر وأدق، فالمسألة اللبنانية «كعادتها» تحتل العناوين وتستولي على الأحداث دون أن يكون هناك مضمون جاد وذو مغزى، ولكنها كالعلك يعاد مضغه، وكل هذا الوقت الذي أهدر على المسألة اللبنانية كان على حساب قضايا أخطر.. كان على حساب القضية الفلسطينية التي وصلت من جديد لطريق مسدود، وفيما يخص قيادة السلطة فيها فهي من الواضح على ما يبدو أنها ستدخل في نفق مظلم مع إعلان الرئيس محمود عباس عن سحب نفسه من الترشيح لمنصب الرئاسة في الانتخابات المقبلة (مع العلم أنه لم يعلن انسحابه من رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، وهذه مسألة مثيرة تستدعي فهم دوره المستقبلي بتأن)، وكذلك كان على حساب القضية السودانية التي بدت فيها علامات انفصال الجنوب عن السودان مسألة مطروحة علنا وينادى بها من الفصائل السودانية بشكل فيه تهديد صريح لأكبر الدول العربية مساحة، وهي فصل جديد يضاف لفصول مأساة السودان الذي أنهكته الأزمات المتلاحقة، وكان أيضا على حساب الوضع المتأزم في اليمن الذي تفاقمت الظروف فيه بشكل خطير ليصبح ملاذا آمنا لقوى الانفصال والإرهاب بشتى أشكاله، مما مكنه من تهديد الدول المركزية والجيران أيضا حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، وكان أيضا على حساب الموضوع الصومالي؛ تلك الدولة التي كانت يوما ما دولة متماسكة على الأقل من الناحية الشكلية لتصبح جيوبا للاقتتال والتطرف والقرصنة والفوضى.

كل هذه الملفات لم تلق الاهتمام العربي المشترك ولا المبادرات المتواصلة ولا المتابعة المطلوبة ولا الجدية الكافية، لأن الملف اللبناني كان دائما ما يأتي أولا ويأتي إخباريا كمادة أهم على الرغم من أن المحتوى اللبناني نفسه لا يقدم جديدا، فهو نفس المادة ونفس الأشخاص. لو تم الاستغناء عن الخبر السياسي اللبناني قليلا وتم التركيز على الأخبار العربية الأخرى لكان من الممكن توزيع الجهد والتركيز والوقت والمال والأعصاب على مواضيع أهملت ولم تلق ذات الاهتمام بالشأن اللبناني، وهذه لعمري خطوة مطلوبة وستؤتي بثمارها. اللبنانيون نجحوا منذ أيام في الحصول على اعتراف «جينيس» للأرقام القياسية بإنجازهم أكبر صحن للحمص في العالم وأقاموا الأفراح بهذه المناسبة. أتمنى أن يراجع أحد «جينيس» للتأكد إذا كانت فترة استغراق التشكيل الحكومي الأخير هذه هي الأطول في التاريخ أم لا. فقد يستحقون لقبا جديدا.

[email protected]