إيران تريد إشعال الخليج من البوابة اليمنية

TT

بات من المؤكد أنه بالوكالة أعلنت إيران الحرب على السعودية، واضطرت المملكة إلى الدفاع عن حدودها جواً وبراً، إذ صار معروفاً أن إيران تدعم «القاعدة» والمتمردين من أتباع الحوثي، في اليمن بهدف السيطرة على المنطقة الممتدة على طول الحدود السعودية، ومن المتوقع أن تكثف إيران من هجمات الحوثيين تمهيداً لمواجهات يتخوف منها كثيرون، في موسم الحج نهاية هذا الشهر عندما سيثير بعض «الحجاج» الإيرانيين المشاكل داخل مكة المكرمة.

وصار معروفاً أن الحوثيين يتلقون الدعم العسكري من إيران عبر سفن ترسو في مرفأ قريب من مرفأ «عصب» في اريتريا، بعدها يقوم الحوثيون بتفريغ شحنات الأسلحة من السفن الإيرانية خارج المياه الإقليمية اليمنية ونقلها إلى الداخل. وتجوب السفن الإيرانية المنطقة بحجة أنها تحارب القراصنة الصوماليين. وكانت السلطات اليمنية سبقت الحوثيين أخيرا، عندما صادرت سفينة محملة بالسلاح أعلنت عنها أول الأمر، ثم عتمت على أخبارها في ما بعد.

منذ أشهر والحوثيون يسعون إلى السيطرة على مراكز أمنية بالقرب من الحدود السعودية، ومع بداية هذا الشهر، وسّعوا إطار انتشارهم، فواجهتهم غارات سعودية مكثفة ومركزة، وكان سلاح الجو السعودي يعود إلى الفضاء بعمليات عسكرية لأول مرة منذ عام 1991، أثناء احتلال العراق للكويت، عندما أسقطت الطائرات السعودية طائرتين عراقيتين، كما تساعد الطلعات الجوية السعودية على تزويد سلاح المدفعية السعودي بمعلومات عن نقاط انتشار الحوثيين داخل القرى السعودية التي رحل أهلها عنها. ويكشف هذا، أن الحوثيين صاروا يشكلون خطراً ملحوظاً على الأمن الداخلي السعودي، وليس من مجال أمام السعودية إلا اللجوء إلى كل الوسائل لحماية حدودها من كل غزو تتعرض له أراضيها.

تشعر الحكومة اليمنية والدول العربية المجاورة بقلق من تنامي قوة الحوثيين، أما لجوء هؤلاء إلى توسيع ساحة المعركة، فيعود إلى أن الإيرانيين يوجهون رسائل «عسكرية» إلى اليمن والدول التي تجاورها، بأنهم قادرون على نشر الفوضى داخل الدول العربية، إذا ما شعرت طهران بأنها استُفزت، وقد تضاعف إيران من أساليبها هذه إذا ما شعرت بأن الضغوط تتزايد عليها من الغرب وإسرائيل بسبب برنامجها النووي، وهي لذلك تتهيأ لمواجهة عسكرية في الخليج.

مجلس التعاون الخليجي أعلن وقوفه مع اليمن، وشعرت مصر بالخطر الإيراني بعد أن لمست التجربة لديها (اكتشاف شبكة لـ«حزب الله» على حدودها مع غزة)، فكان أن قام وزير خارجيتها أحمد أبو الغيط ورئيس استخباراتها الجنرال عمر سليمان بزيارة إلى اليمن (في الخامس من الشهر الماضي) لدراسة الموقف قبل أن يتوجها إلى السعودية للتشاور مع المسؤولين هناك عما يمكن عمله لمساعدة اليمن أكثر، فالبلاد هناك، ربما بسبب كثرة مشاكلها الداخلية، حولتها إيران إلى أرض معركة بالوكالة، ما بين الفرس والعرب.

الزيديون الذين ينتسب الحوثيون لهم، حكموا شمال اليمن حتى انقلاب عام 1962، ومع 2004 بدأوا يستعيدون قوتهم بهجمات على مراكز للجيش، بدعم من إيران، وبهدف إقامة دولة شيعية تقسم اليمن.

ومع سقوط نظام صدام حسين، وبروز الشيعة كقوة مسيطرة في العراق، تحركت إيران بقوة لفرض النفوذ الشيعي في كل منطقة الخليج، ولم تكن اليمن استثناء إنما تكمن أهميتها أنها تشكل كعب الخليج، وبالتالي فهي المكان المثالي للإيرانيين لاستفزاز السعوديين وإقلاقهم من العمق.

إيران تريد تحريض الشيعة في كل الدول العربية، تريد طمس الحس القومي لديهم وإشعال الحس الطائفي. وكانت معلومات شبه مؤكدة، أشارت إلى مقتل مدربين عسكريين تابعين لـ«حزب الله» وإيرانيين من الحرس الثوري، في المعارك ما بين الحوثيين والجيش اليمني.

منذ انتصار ثورتها، وإيران تحاول نشر النفوذ الشيعي في المنطقة، وبعد سقوط صدام حسين توسعت محاولتها لإيجاد موطئ قدم لها في اليمن، أيضا وبعد الإطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003 هرب ضباط بعثيون عراقيون إلى دمشق وعمان، كما دعا الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الكثير من الضباط للمجيء إلى اليمن من أجل تدريب الجيش اليمني، وتنظيم جهاز الاستخبارات، وكان في ذلك يعمل على الحد من الوجود السلفي والجهادي في أجهزة المؤسسة الأمنية في اليمن.

ومع تصاعد القتال في الأشهر الأخيرة بين الجيش اليمني والحوثيين، شارك ضباط عراقيون في الهجمات التي شنها الجيش اليمني، كان يشدهم أنهم يقاتلون إيران، بالوكالة، في أرض اليمن التي لجأوا إليها.

لم تنظر إيران بارتياح لهذا التطور الذي ألحق الخسائر بالحوثيين، وحاولت عبر عبد العزيز الحكيم، قبل وفاته، مناشدة الرئيس اليمني طرد الضباط البعثيين العراقيين من اليمن، مقابل أن يقنع زعماء الحوثيين بوقف لإطلاق النار.

كما يوجد ضباط بعثيون في اليمن، هناك ضباط يمنيون متقاعدون في دمشق، وكذلك سياسيون من جنوب اليمن. وتستطيع سوريا أن تلعب دوراً مزدوجاً في هذه الأزمة، إن كان بإقناع إيران من أن لا جدوى من توتير الوضع الأمني في السعودية، وكذلك إقناع الضباط اليمنيين المتقاعدين لديها بعدم تشجيع الحوثيين على التمادي، فليس من مصلحة أحد أن يزداد الوضع سوءاً في اليمن، بحيث تؤدي شرارته إلى إشعال حرب بين القبائل فيها. ثم أن الدوامة الأمنية التي يعيش فيها اليمن ومواجهته مع الحوثيين، توفر الفرصة المثلى للحركة الجهادية اليمنية لتحرك شبكتها والقيام بهجمات ضد مراكز الجيش وضد الحوثيين، وكان فرع «القاعدة» في اليمن أعلن بداية هذا العام اندماجه مع «قاعدة» شبه الجزيرة العربية.

ربما مع وضع اليمن المتأزم يدرك الرئيس اليمني أن عليه مراجعة طريقة حكمه، وأسلوب إدارته لبلاده، وقد يكون الوقت حان ليتيح المجال أمام آخرين ليحكموا، إذ بعد سنوات طويلة من حكمه، لا يزال سلاح طيرانه قديما، وأغلب طياريه يقودون طائرات يعود تاريخ طرازها إلى الخمسينات، وهذا، بالإضافة إلى أن عدم خبرة طياريه، أدى إلى نجاح الحوثيين، مع عناصر خارجية جاءت لمساعدتهم، في إسقاط عدة طائرات عسكرية يمنية.

لا بد أن يكون هناك خطأ ما ـ ربما فادح ـ في أسلوب الحكم في اليمن، إذ أنه يواجه عصياناً شيعياً في الشمال، إضافة إلى تضاعف النزعة الانفصالية في الجنوب، وتجديد خطر «القاعدة» التي تنطلق منه في عمليات ضد السعودية، كانت أخطرها محاولة اغتيال نائب وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز.

لا يمكن للسعودية أو لأي دولة أخرى، أن تتحمل ثورة يمنية تدعمها وتحركها إيران على حدودها. الرياض حتى الآن تكتفي بتطهير أرضها والدفاع عن حدودها، إنما قد يأتي وقت تجد نفسها مضطرة إلى بتر موطئ القدم الإيراني في اليمن. وهي بقدر ما أنها لا تستطيع أن تتحمل وجود ميليشيا شيعية على حدودها تتحرك بأوامر طهران، كذلك لا تستطيع أن تسمح لمثل هذه الميليشيا أن تكون عاملا يجذب جهاديين أصوليين ينتشرون في المنطقة، على أساس أنهم سيواجهون الشيعة المتمردين.

بسبب سوء إدارة الحكم في اليمن التي تراكمت لسنوات طويلة، تحول اليمن إلى جبهة أمامية لصراع إرادته إيران فارسياً ـ عربياً، هذا الصراع يهدد استقرار شبه الجزيرة العربية برمته.

بعد حالة فقدان التوازن التي تمس بشرعية النظام في إيران، التي أدت إليها نتائج الانتخابات الرئاسية هناك، ومع استمرار البازار الإيراني مع الغرب في ما يتعلق ببرنامجها النووي، كان متوقعاً من النظام أن يهرب إلى الأمام بافتعال مشاكل مع الخارج، ولا يمكن للدول العربية أن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الاعتداء الصارخ والمفضوح. شرعية نظامها لا تستعيدها إيران، إذا ما سلّحت «وكلاءها» للعبث باستقرار الخليج، وحماية ذلك النظام لن تأتي من السعودية، بل على العكس، تحتاج إيران في مواجهتها مع الغرب إلى وساطات الدول العربية ودعمها، هذا إذا كانت تبحث عن أصدقاء، أو أن هذا النظام، ليس في خانته الارتباط بصداقة مع دول تحترم سيادتها وحدودها وتدافع عن شعوبها.