وأنا كمان ضد التطبيع.. هه..

TT

على سبيل التغيير قررت أن أكون بطلا، يعني أن أكون ضد التطبيع، ما بقي من العمر فعلا يتطلب درجة من البطولة أنا في حاجة إليها من أجل تسويق أعمالي الدرامية في ساحة لا ترحب إلا بالأبطال البلهاء دراميا، وهو الموقف الذي سيترتب عليه حرمان بعض أصدقائي من العاملين في الفضائيات، من الحديث عن السلام وخطورة التطبيع على العرب والمصريين نظرا لأنه من المستحيل أن يقدموا ضيوفا كلهم ضد التطبيع، هم في حاجة دائما لواحد تطبيعي ليوجهوا إليه ضرباتهم وهو بالضبط ما قررت حرمانهم منه. ولما كنت بطبيعتي متطرفا في كل شيء لذلك كان لا بد أن أكون ضد التطبيع بطريقة جديدة ومبهرة، لا بد أن أذهب إلى التطبيع في عقر داره وأقول له: أيها التطبيع أنا ضدك.

كان لا بد أن أبدأ بأصدقائي القدامى أعضاء جماعة القاهرة للسلام، هؤلاء بالتحديد يعرفون محل إقامة التطبيع، سألتهم عن عنوان المذكور فأجابوا: ماذا؟ تطبيع؟ وهل نحن نعرف شيئا عن التطبيع يا رجل؟ نحن نعرف الحوار فقط مع المثقفين السلاميين الإسرائيليين.. حد فينا جاب سيرة التطبيع؟

آخر المصابين بالتطبيع هي الصديقة الدكتورة هالة مصطفى، عندما أخبرتها عن خبر تحولي المفاجئ وانضمامي إلى جبهة مقاومة التطبيع قالت لي بابتسامتها اللطيفة: برافو.. أنت تستطيع الآن أن ترى الحقيقة من زاويتين مختلفتين.. هذه هي الديموقراطية، ولكنك جئت إلى العنوان الخطأ.. هل تعتقد لمجرد أنني قابلت السفير الإسرائيلي في مكتبي في مؤسسة «الأهرام»، فإن ذلك يعتبر تطبيعا؟ لقد كنا نتكلم عن مشروع لمناقشة كيفية اشتراك مثقفين من مصر وفلسطين وإسرائيل في دعم مشاريع السلام في المنطقة.. أين التطبيع في ذلك؟

شعرت بقدر من اليأس يدب في قلبي، يبدو أن كل الناس لأسباب لا أعرفها قررت إبقاء عنوان التطبيع سرا بينهم. قلت لها: يعني حضرتك ما عندكيش تطبيع؟

أجابت: والله ما عندي تطبيع ولو كان عندي كنت حاعزّ عنك؟ ما فيش والله، حتى فتش المكتب.. قالت ذلك وفتحت أدراج المكتب، ثم أخرجت ما في حقيبتها وما في جيوبها، ولم أجد بالفعل تطبيعا.

آه.. وجدتها.. صديقي حسين سراج الصحفي في مجلة أكتوبر الذي يقوم بترجمة الأعمال الأدبية العبرية، وهو أيضا المسئول عن الشئون العبرية في المجلة. بالتأكيد هو يعرف عنوان التطبيع، على الأقل لأنه سافر إلى إسرائيل عشرات المرات، طلبته في التليفون وقلت له: حسين.. إليك هذا الخبر المدهش.. لقد قررت الانضمام لجبهة مقاومة التطبيع.. وهو الأمر الذي يتطلب معرفة عنوانه أو مظنات وجوده أو حتى المقهى التي يجلس عليها، لا بد أن أذهب إليه أمام حشد من الصحفيين وأجهزة الإعلام لأقول له.. خسئت أيها التطبيع.. أنا ضدك.

فقال حسين: يا له من خبر جميل.. نعم يا رجل، كان يجب أن يحدث ذلك منذ أعوام طويلة، ومع ذلك أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا.. المشكلة يا صديقي أنني كما أوضحت لهم في النقابة، لا أعرف هذا التطبيع ولم أقابله في حياتي.. أنا فقط أقوم بترجمة الأعمال الأدبية عن العبرية لأنني أجيدها، وكل سفرياتي إلى إسرائيل من أجل هذا الهدف أو لتغطية بعض الأحداث السياسية.. كما ترى يا صديقي أنا ملتزم بقرار النقابة بمنع التطبيع.

لقد أخطأت، كان لا بد أن أبدأ من المنبع فذهبت إلى صديقي رئيس قسم إسرائيل في وزارة الخارجية المصرية وشرحت له ما أريد فقال: نحن دبلوماسيون مهنيون.. لا نعرف التطبيع ولا مقاومة التطبيع، كما أننا لا نذهب إلى التطبيع، هو الذي يأتي إلينا في الوزارة وهو عادة لأسباب أمنية لا يترك عنوانه.. وعلى أي الأحوال تستطيع أن تترك لي رسالة ونقوم نحن بإبلاغه بمحتواها في أول فرصة.

قلت له وأنا أستأذن في الانصراف: لأ.. عاوز أقول للتطبيع في وشه.. أنا ضدك.. وقدام الناس.

ما زالت هناك جبهات من الممكن أن تساعدني، ذهبت لصاحب مصنع من مئات المصانع التي تتعامل مع الإسرائيليين في مشروع الكويز، رحب بي الرجل وبعد أن شرحت له الهدف من الزيارة قال لي بغضب: «نعم ؟!.. تطبيع؟ هو احنا بنطبّع يا أستاذ؟ مين اللي قال الكلام الفارغ ده؟ إحنا مشتركين فقط مع الجانب الإسرائيلي في مشروع اقتصادي أمريكي لإعفاء السلع المصرية من الجمارك في أمريكا.. الكلام ده ماله ومال التطبيع؟ لأ طبعا، إحنا مش مع التطبيع إلا بعد السلام الشامل الكامل العادل النهائي وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس.. كلامي واضح؟ قوم معايا».

سحبني الرجل من ذراعي وأخذ يطوف بي على مخازن المصنع وعنابره وهو يصيح: شفت تطبيع حضرتك؟ فين هو التطبيع؟ فتش بنفسك..

بالفعل لم أعثر على تطبيع من أي نوع، يبدو أن هناك مؤامرة لحرماني من إعلان موقفي ضد التطبيع، وقبل أن يستولي عليّ اليأس كلية ذهبت لمثقف مسئول في جبهة مقاومة التطبيع فقال لي: «بربم ترالم تكابوم..فساكوم.. شيكا واوا سيكا لولو.. فلما مصر تــ.. فالحكاية تبقى ترافستك.. شيكا بوم بوم. وهو ما نرفضه تماما».