من أيام موسى.. لم يظهر إلا موسى بن ميمون!

TT

بعد أن ملأت صحف أجنبية وإسرائيلية وبعض المنظمات اليهودية الدنيا صراخاً: «القمامة تملأ معبد موسى بن ميمون».. «مصر لا تصون الآثار اليهودية» وذلك على غير الحقيقة طبعاً، توجهت مع صحفيين وإعلاميين من مختلف وسائل الإعلام إلى المعبد الذي يقع في 15 شارع درب محمود من حارة اليهود بالقاهرة القديمة. وقد سجل هذا المعبد أثراً عام 1986 لأهميته الدينية والمعمارية والتاريخية. وكانت آخر مرة تؤدى فيه الشعائر عام 1960.

وينسب المعبد إلى أبو عمران موسى بن ميمون بن عبد الله القرطبي الإسرائيلي وهو أحد رجال الدين اليهودي، والذي ولد في قرطبة بالأندلس في 30 مارس عام 1135م، ومات بأرض مصر في 13 ديسمبر 1204م، ودفن بمدفن خاص ملاصق للمعبد حتى نقل رفاته إلى طبرية.

ويرمز لموسى بن ميمون في العبرية باسم (رم بام) وهي الحروف الأولى من اسمه ولقبه (الراب «الحاخام» موشيه بن ميمون). ويبدو أنه كان عالماً موسوعياً برع في العلوم الدينية والدنيوية مثل الطب والرياضة والفلسفة حتى إن اليهود اعتادوا أن يرددوا: «أنه لم يظهر رجل كموسى من أيام موسى إلا موسى».. المعنى هو (أنه لم يولد مثل موسى عليه السلام في المكانة والعلم غير موسى بن ميمون).

وقد اضطر موسى بن ميمون للهجرة من قرطبة إلى فلسطين حيث عاش لبعض الوقت ثم نزل إلى الإسكندرية ومنها إلى الفسطاط وعمل كطبيب خاص للأمير نور الدين علي أكبر أبناء صلاح الدين الأيوبي وألف كتباً في الطب والفلسفة وعلوم اللاهوت أثناء إقامته بالقاهرة. وأهم مؤلفات بن ميمون كتاب «مشناة توراة» و«دلالة الحائرين» والأخير ألفه بالعربية ثم ترجم إلى العبرية وفيه يتناول فكرة الوحدانية ويدحض أفكار القائلين بأزلية الكون.

عندما دخلنا مع الوفد الصحفي والإعلامي إلى المعبد وجدنا أعمال الترميم تجري في كل مكان وكان في استقبالنا المهندس المسؤول مع الشركة وهو الدكتور أيمن حامد، الذي شرح لنا أمام الجميع خطة الترميم التي تجري للمعبد وتنتهي إن شاء الله في يونيو 2010.

وينقسم المعبد إلى ثلاثة أقسام رئيسية، القسم الأول يشتمل على مبنى المعبد المخصص للصلاة وإقامة الشعائر الدينية اليهودية. والقسم الثاني يشتمل على المدفن الذي دفن به بن ميمون قبل نقل رفاته، وكذلك الحجرة الصغيرة المجاورة والتي اعتاد اليهود المرضى المبيت فيها طلباً للشفاء. وأهم العناصر بهذا القسم هي بئر المياه التي كانت تستخدم في التطهير. أما القسم الثالث فيتكون من بعض الحجرات المخصصة لرجال الدين والمشرفين على إدارة المعبد وكذلك الحمامات بالإضافة إلى شرفة النساء المطلة على بيت الصلاة، حيث يتم الفصل بين الرجال والنساء أثناء الصلاة، أما الصلاة داخل المعبد للرجال فقط وكان على النساء رؤية ما يجري من طقوس دينية من خلال شرفة تطل على صحن المعبد.

واكتشفنا أن المعبد كان قد وصل إلى حالة سيئة بسبب الإهمال الذي تعرض له مع مساجد وكنائس أخرى، وكان المصلى بدون سقف والجدران الداخلية في حالة معمارية سيئة تحتاج إلى تدخل سريع قبل أن تنهار تحت وطأة المياه الجوفية التي ارتفع منسوبها وكادت تغرق المعبد، أضف إلى ذلك الترميمات القديمة الخاطئة قبل تسجيل المعبد كأثر. وقد تم حقن التربة والأساسات والحوائط وعمل شبكة لتثبيت منسوب المياه الجوفية وإزالة الترميمات الخاطئة والكشف عن زخارف مغطاة بطبقات من البياض داخل مكان الهيكل..

وزار المعبد مندوبو الصحف والمجلات وكذلك مراسلو شبكات الإعلام المختلفة لرؤية أعمال الترميم. وتقرر أن يتم افتتاحه في نهاية مارس القادم، وهو تاريخ ميلاد موسى بن ميمون لكي نعلن للعالم كله أن الآثار لا يمكن تقييمها حسب مذاهب دينية تتبعها وإنما هي تراث للإنسانية كلها.. يجب الحفاظ عليها للأجيال القادمة..