شيء ما يحدث

TT

يحاول الاقتصاديون والمحللون والخبراء الماليون بشتى خلفياتهم معرفة ما يحدث الآن في أسواق العالم وقراءة التطورات الحاصلة. الارتفاع المهول لأسعار الذهب، ويتبعه بذات الهمة والسرعة أسعار سلع أخرى جميعها تؤكد أن «شيئا ما يحدث» ويتغير، وهذا الشيء قد يكون مفاده أن العالم قد يكون قرر الهروب من الدولار كملاذ آمن نظرا لما فقدته هذه العملة من قيمة مهمة في الفترة الأخيرة، وبالتالي هزالة قدرتها وقوتها الشرائية. وهناك نظرية أخرى تقول إن العالم يتجه لـ«الاستثمار» في السلع الكبرى نظرا لاعتقاده بأن التضخم قادم بسبب انخفاض معدلات الفائدة المقدمة على العوائد في البنوك المركزية حول العالم، وبالتالي استمرار تناقص قيمة القوة الشرائية للعملة أيا كانت مما يحتم الاتجاه لجهة قادرة على الاحتفاظ بالقيمة بشكل تصاعدي وبعائد مغرٍ وقابل للتسييل متى ما تطلب الأمر ذلك، وفي هذا الموقع الغلبة تكون عادة للسلع والعقار.

ولكن هناك من يعتقد بأن «الأرضية» المالية والاقتصادية يتم تجهيزها لهدف أكبر مثل «حرب كبرى» وهو الذي يفسر النمو الكبير الذي أصاب أسعار البترول دون أن يكون لكل الطفرات المذكورة في السلع والنفط انعكاس حقيقي على الازدياد في أحجام الاستهلاك سواء في الدول الصناعية الكبرى أو بالأسواق الناشئة. والحديث عن الدولار لا بد أن يجر للحديث عن «اليوان» العملة الصينية، والتي يعتقد الكثيرون من العالمين ببواطن الأمور أن تسعيرة هذه العملة مقابل الدولار بحاجة لإعادة نظر وإعادة تقييم فوري لأن قيمة «اليوان» باتت أقوى، وهو ما تصر عليه الإدارة الأميركية اليوم في حواراتها مع الصين، ولكن الصين تدرك تماما أنه في حالة ما تم ذلك ستصبح المنتجات والخدمات المقدمة من الصين أعلى سعرا وأقل تنافسية ولن تكون هي الخيار الأمثل للمصنعين والمستثمرين كما هو الحال اليوم، مع عدم إغفال أن معظم احتياطي النقد الصعب للصين هو في ودائع الخزائن الأميركية وأي اهتزاز في وضع العملة مع العملة الصينية سيؤدي إلى أذى كبير للاقتصاد الصيني. وما يدلل على ذلك حديث واحد من أكبر المستثمرين وأصحاب الصناديق المالية العملاقة (تقدر قيمتها بـ25 بليون دولار) في حوار مع جريدة «الفايننشال تايمز» الرصينة ليقول إن كل استثماراته بلا استثناء هي بعملات غير الدولار وإنه يتجه لشراء العملات الصينية بشكل مكثف لإيمانه بأنها عملة العالم المستقبلية، مع العلم أن شراء العملة الصينية غير ممكن بالأحجام الكبرى إلا في أضيق الحدود وللحكومات فقط، ولكنه يجد الطرق والأساليب لعمل ذلك، ولا أنسى الإشارة أن الرجل أميركي ويعيش بالولايات المتحدة الأميركية نفسها. العالم يتغير ومعالمه تتبدل ولا بد من قراءة الحدث وتبعياته وما وراء الحدث، فأحيانا كثيرة نؤخذ بالحدث وبريقه وننسى مسبباته والتي هي في الشأن الاقتصادي تحديدا عادة ما تكون أهم من الحدث نفسه بكثير!

[email protected]