لماذا لا يصلح يانوس مخلصا لإيران؟

TT

«نريد أن نكون مثل الإله الإغريقي يانوس، فنحن نريد الجمع بين مجموعة من القيم المختلفة. ونريد أن نكون قادرين على الحداد على ندا أغا سلطان وأن نشعر بالحزن على المواطنين الذين يموتون في غزة».

هذه هي الطريقة التي وصف بها مير حسين موسوي، المنافس الرئيسي للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، «حركته الخضراء» خلال لقاء مع عائلات السجناء السياسيين في طهران مطلع الشهر الحالي.

ويكشف ذلك الكثير عن هذا القيادي، الذي لا يزال يمثل أحجية أمام معظم الإيرانيين على الرغم من أنه قضى 10 أعوام تقريبا في منصبي وزير الخارجية ورئيس الوزراء خلال حقبة الراحل آية الله الخميني.

وهناك مشكلة في تصريح موسوي، بعيدا عن أن يانوس كان إلها رومانيا وليس إغريقيا مثلما قال. تقول الأسطورة الرومانية إن الإله يانوس له وجهان وهو يحرس أبواب السماء، ويرقب من ذهبوا ومن لم يصلوا بعد. ويرمز الإله إلى الانفصال بين الماضي والمستقبل، وقد سُلب نعمة الحركة. وتقول بعض الروايات إن هناك ابتسامة واسعة تزين أحد أوجه الإله يانوس، فيما ترتسم على الوجه الآخر نظرة يملؤها الألم. ولا يستطيع الإله يانوس الاختيار بين الماضي والمستقبل ولا بين المتعة والألم. ولكنه لا يملك إلا أن يراقب ما يحدث، لا أن يعطي حكما عليه.

وحديث موسوي عن ندا أغا سلطان، الشابة الصغيرة التي ماتت بعد أن نال منها رصاص الحرس الثوري الإسلامي في طهران خلال مظاهرة من أجل الديمقراطية في يونيو (حزيران) الماضي، وعن المواطنين الذين ماتوا في غزة خلال الحرب الأخيرة ضد إسرائيل، به الكثير من الدلالات لعدة أسباب. لا يميز موسوي بين فتاة غير مسلحة تدعو سلميا إلى إجراء انتخابات نزيهة داخل بلادها ومسلحين يقاتلون ضد جيش أجنبي. وإذا كانت ندا مثل أي شخص يموت في غزة، فإنه يجب افتراض أن قاتليها مثل هؤلاء الذين يقتلون الغزيين. وعن طريق السعي إلى الخلط بين الكثير من القيم المختلفة، يخاطر المرء بانعدام القيم برمتها.

أدلى موسوي بتصريحه في رد على انتقاد من النخبة الخمينية بخصوص شعار شعبي يردده المتظاهرون الإيرانيون: «لا غزة ولا لبنان، حياتي من أجل إيران!».

ويبدو أن موسوي يعتقد أن هذا الشعار يظهر عدم اكتراث الإيرانيين بما يحدث في لبنان وغزة، وهذا ما يقوض من زعم الأيديولوجية الخمينية المبهم بأن إيران تقوم بدعم الأمة الإسلامية في الجهاد العالمي. ولكن، بالنسبة لمعظم الإيرانيين، فإن الشعار وسيلة غير مباشر للتعبير عن عدم الرضا عن سياسات النظام الحاكم.

ولكن، التعاطف الزائف مع الغزيين ليس هو المشكلة الوحيدة مع استراتيجية «يانوس» التي يتبناها موسوي، فالشعب الإيراني لديه الكثير والكثير من الملاحظات على الأذكياء الذين يريدون كل شيء وتقيضه. وهؤلاء هم مَن يستفيدون دوما من أي موقف، وفي الوقت الذي يسعون فيه إلى الوصول إلى أهدافهم التكتيكية يلحقون الضرر في نهاية المطاف بالمصالح الأوسع للمجتمع.

وموقف موسوي المحير هو نتيجة لتحليل خاطئ للوضع داخل إيران في الوقت الحالي. والسؤال هو: هل تواجه إيران حركة تهدف إلى تغيير النظام الحاكم أم إن ذلك مجرد تسوية للخلافات داخل المؤسسة الإيرانية الحاكمة؟

إذا كانت هناك حركة تهدف إلى تغيير النظام الحاكم، فإن موسوي و«حركته الخضراء» لا يمكنهم أن يتخذوا من يانوس نموذجا، حيث يحتاجون إلى إنهاء فصل من الخمينية والنظر إلى الأمام من أجل إيجاد دولة إيرانية عصرية تعددية وديمقراطية. ولكن، إذا كان الأمر لا يتعدى تسوية خلافات داخل المؤسسة الخمينية، فيجب على موسوي أن يقبل بإعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد وأن يبدأ الاستعداد للمنافسات الرئاسية والبرلمانية المقبلة داخل إطار الدستور القائم.

لقد عانت إيران على مدار الثلاثين عاما الماضية من تعدد الشخصية الفصامي. وقد تعاملت النخبة الحاكمة معها كوسيلة من أجل تحقيق غاية، فيما ينظر إليها الشعب على أنها دولة. وما تحتاج إليه إيران في الوقت الحالي هو إنهاء هذه الازدواجية، ويعني ذلك إنهاء فصل من الثورة، والسماح لإيران أن تظهر مجددا كدولة وليست كغاية.

ولا تعد تجربة إيران تجربة فريدة من نوعها في التاريخ، فجميع الدول مرت بلغط الثورات ونتج عن ذلك اختبار قاس كهذا. ولكن، لم يتمكن أحد من تجاوز هذا الوضع من خلال استراتيجية تشبه استراتيجية يانوس. وفي كل حالة، كانت الاستراتيجية الناجحة تبدأ باعتراض على الماضي لصالح المستقبل.

ويفاقم التردد، الذي تعاني منه قيادة المعارضة، من الأزمة الإيرانية، وستكون لذلك تبعات لا يمكن التنبؤ بها على الأمة في مجملها.

تمكن الرئيس أحمدي نجاد و«المرشد الأعلى» علي خامنئي من الطفو على سطح الأحداث. ولكن، بعد مرور ستة أشهر على انتفاضة يونيو (حزيران) لا يوجد ما يدلل على أن مركب نجاد ــ خامنئي قادر على صياغة استراتيجية لاحتواء، ناهيك عن هزيمة، الحركة المعادية للنظام الحاكم.

وفي الوقت نفسه، فإن القيادة المعروفة للحركة (المعارضة) غير قادرة على تقديم استراتيجية يمكن الوثوق فيها من أجل تحقيق انتصار، وهي تطفو أيضا على سطح الأحدث.

والنتيجة هي إضعاف مستمر للقوى المعتدلة في كلا الجانبين وتقوية للعناصر الراديكالية مع أجندات تنافسية متطرفة.

من جانب الحكومة، نشهد حاليا ظهور عناصر يجعل تطرفهم من أحمدي نجاد معتدلا وحلوا. وهؤلاء هم الأشخاص الذين يحلمون بنظام الحزب الواحد الذي تعني فيه آلة الاضطهاد حكومة الدولة.

وعلى جانب المعارضة، يحاول مناصرو الكفاح المسلح والانفصاليون ومن يسعون لاسترداد الحقوق المسلوبة ومتطرفون آخرون ملء فجوة القيادة.

وبغض النظر عن السمات الفردية، فإن أحمدي نجاد غير قادر على التكيف مع الموقف الحالي ويخاطر بأن يصبح أكثر عزلة داخل النظام الحاكم. وربما ينتظر موسوي، في جانب المعارضة، مصيرا مشابها ما لم يتخل عن موقفه الشبيه بموقف الإله يانوس وينهي الحقبة الخمينية وينظر إلى المستقبل.