الكرة والناس

TT

في عام 1982، وفي بدايات الفترة، التي تشرفت فيها برئاسة تحرير مجلة «سيدتي»، طلبت من فريق العمل إجراء تحقيق بعنوان (الكرة والناس)، وقوبل الطلب بالدهشة والتردد والتساؤل عن جدوى مناقشة موضوع الكرة في مجلة نسائية. ولم يحبطني التشكك، لأنني شعرت بحدسي، بأن للكرة تأثيراً قوياً على حياة الناس.

ورغم مضي أكثر من ربع قرن على ذلك الحدث، ما زلت أذكر أن التحقيق ترك أثراً قوياً عند القراء من الجنسين. عاودتني الذكرى وأنا أتابع مجريات الأمور، التي انتهت بفوز فريق الجزائر على الفريق المصري بهدف للا شيء في السودان على خلفية المشاحنات واللكمات والاعتذارات التي صاحبت التنافس بين الفريقين للحصول على فرصة في مباريات كأس العالم. والحمد لله، أن الأمور لم تصل إلى إعلان الحرب بين مصر والجزائر، كما حدث بين هندوراس والسلفادور قبيل تصفيات كأس العالم في عام 1970. فقد فازت الهندوراس على ملعبها واعتدت جماهيرها على جماهير مشجعي السلفادور. ووصل الأمر إلى أن قدمت السلفادور شكوى رسمية للأمم المتحدة. وفي مباراة فاصلة فازت السلفادور وتأهلت لدخول كأس العالم، لكن مع نهاية اللقاء كانت الدولتان قد نشرتا قواتهما على الحدود وضربت طائرات هندوراس مدينة سان سلفادور بالقنابل.

لكرة القدم دور بالغ الأهمية في ثقافة الشعوب. ففي بريطانيا يبلغ عدد رواد الملاعب 29 مليون مشاهد سنويا، إضافة إلى الملايين التي تشاهد المباريات بانتظام على شاشة التليفزيون. وما دمنا نقول الحق فلنعترف بأن القاعدة العريضة لجمهور الكرة هي من الذكور. أما نسبة الإناث، التي تتابع الكرة فلا تزيد على 14% لأسباب اجتماعية كأن تجلس الزوجة إلى جوار زوجها وهو يتابع المباراة من قبيل المشاركة أو أن تعتبر الحبيبة أن مصاحبة حبيبها إلى الاستاد هو نوع من التضحية التي يجب الا أن تبخل بها على حبيب القلب.

والطب النفسي يشهد بأن المشجعين يشعرون بسعادة طاغية حين يفوز الفريق الذي يشجعونه ويذوقون طعم النشوة الجماعية ويتخلصون مؤقتا من كل المشاعر السلبية المرتبطة بالهزائم الشخصية. ويخرج المشجع من الملعب وقد تحسنت حالته المزاجية. وبذلك تلعب الكرة دوراً تطهيريا حين توفر للمشاهد فرصة للتعبير عن مشاعر مكبوتة لا يسمح له بالتعبير عنها في الحياة اليومية. ففي الجو الاحتفالي الذي يصاحب الفوز في إحدى المباريات يحمل المشجعون الرايات ويغنون ويرقصون ولا فرق في ذلك بين الوزير والغفير. الكل مسموح له بالصياح والصراخ والتلويح والتصفيق والصفير والتعبير عن الضيق أو الحزن أو الإحباط بقوة مقبولة اجتماعيا أثناء انعقاد المباريات.

كما أن الأبحاث التي أجريت في الولايات المتحدة أظهرت أن متابعة المباريات لها أثر على منسوب الهورمونات. فقد أجريت دراسة أثناء انعقاد مباريات كأس العالم في عام 1994، فتبين أن منسوب هورمون الذكورة، التستوستيرون، يرتفع ويهبط وفقاً لظروف الفوز أو الهزيمة. أجريت الدراسة على مشجعي الكرة الإيطاليين والبرازيليين بعد فوز البرازيل، فتبين أن مستوى التستوستيرون ارتفع عند البرازيليين بمعدل 28% وانخفض عند الإيطاليين بمعدل 27% .

الطريف هو أن البعض استهدف شخصي الضعيف على الإنترنت بنكات وتعليقات ورسوم كاريكاتيرية معادية لمصر، لعل أفضلها كان رسماً كاريكاتيريا لأمية جحا، صورت فيه الجماهير تتناحر في ملاعب الكرة بينما يتسلل نتنياهو حاملاً في حضنه مجسماً للمسجد الأقصى.