لماذا يكرهوننا؟

TT

السؤال الذي يهتم به الناس هو كيف تحول الخسارة إلى مكسب، ولكن المهم هو أن ننظر في الحالات التي تستطيع فيها الدول، وكذلك الأفراد تبديد رأس المال السياسي والاجتماعي وتحويل المكسب إلى خسارة، وهذا ما نحتاج أن نتعلم فيه من دروس الآخرين. خير مثال على «تحويل المكسب إلى خسارة»، هي حالة الولايات المتحدة الأميركية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، فيوم الاعتداء نفسه كان العالم كله، بما فيه أعداء الولايات المتحدة التقليديون، يقفون مع الولايات المتحدة، يؤيدونها ويناصرونها ضد الإرهاب الذي حل عليها دونما سبب، يومها شجب العالم ما قامت به «القاعدة» من تدمير وقتل، واستمر التأييد العالمي لفترة، حتى بدأت الولايات المتحدة سلسلة من ردود الفعل الحمقاء، في السياسة وفي الإعلام، وتدريجيا انقلب التأييد إلى كراهية للولايات المتحدة وسياساتها ورئيسها حتى وصلت الكراهية إلى شعبها. لم يدرك الأميركان يومها ما فعلوا، ولم يراعوا أنفسهم، ولم يطرحوا الأسئلة حول كيفيه تحول تعاطف العالم معهم بعد تفجيرات 11 سبتمبر، إلى كراهية، لم يسأل الأميركيون أنفسهم تلك الأسئلة الصعبة، واستعاضوا عنها بسؤال ساذج، أطلقه برنارد لويس وجماعات كثيرة مغرضة، مفاده: «لماذا يكرهوننا؟».

لم ير الأميركيون الذين أطلقوا سؤال «لماذا يكرهوننا؟» أن إعلامهم الذي وزع التهم في كل اتجاه، كان المسؤول الأول عن موجة الكراهية تلك. عندما تعاطى الإعلام الأميركي مع العالم من منطق أن أميركا هي أقوى دولة في العالم وأنها تستطيع أن تمسح أمما من على وجه البسيطة عن طريق قنابلها النووية، بما في ذلك ضرب مكة المكرمة، وتأديب المسلمين، كره العالم أميركا عندما طفت الشيفونية الأميركية على السطح، وعندما أطلت وجوه أميركا القبيحة عبر الشاشات التلفزيونية الأميركية وعبر البوابات الإلكترونية، مطالبة بالثأر، تلك الوجوه القبيحة كانت هي المسؤول الأول عن تحويل مظاهرة الحب والشفقة والتعاطف التي أبداها العالم تجاه أميركا، وحولها إلى أمواج عاتية من الكراهية، التي بدأت في العالم الإسلامي ثم تدريجيا بدأت تغطي العالم كله بما في ذلك الدول الصديقة جدا للولايات المتحدة الأميركية بما في ذلك بريطانيا وفرنسا.

في التجربة الأميركية دروس للأفراد والجماعات والدول في كيفية تحويل المكسب إلى خسارة وتبديد ما لديك من رأسمال وتحويله إلى حالة من الإفلاس السياسي والاجتماعي.

الدرس الأول يتمثل في عدم توسيع دائرة الاتهام، فعندما كانت أميركا تركز على «القاعدة» وعلى الإرهابيين، كان العالم كله معها، أما عندما توسعت دائرة الاتهام، بدأ الموضوع «يخر» من جوانب كثيرة و«يطرطش»، على أناس لم يكونوا طرفا فيما حدث، وكان ضرب العراق مثالا على ذلك، حيث أغضب الأميركيون الكثيرين ممن تعاطفوا معهم في البداية والذين لم يروا مبررا منطقيا لضرب العراق. فقد تبنت أميركا استراتيجية الكذب على الأصدقاء من أجل شن هجماتها. استراتيجية الكذب أفقدت أميركا ما لها من رصيد عند الأصدقاء، ولم يتوقف الأمر عند العراق، بل دفع الكثيرين إلى التشكيك في أحداث الحادي عشر من سبتمبر ذاتها.

للأحداث نقطة انقلاب وتحولات «tipping point»، تنتقل فيها الكتلة الحرجة من المؤيدين من البشر إلى أعداء بعد أن كانوا أصدقاء، وتلك النقطة، هي نقطة حساسة جدا، لا بد وأن يأخذها الأفراد والدول في الاعتبار، نقطة هي أصل الداء والدواء في آن واحد. تلك النقطة التي كتبت فيها كتب كثيرة هي ما يسميها العوام بـ«زودها حبتين»، أو أن «الأمر قد زاد عن حده فانقلب إلى ضده». وهذه ممارسة يقع في مغبتها الأذكياء والأغبياء معا.

درس أميركا، تلك القوة العظيمة التي لديها الكثير من الأدوات لستر عورتها السياسية والإعلامية ومع ذلك فشلت، لم تتعلمه لا الدول الصغيرة ولا الأفراد ممن يتبنون الكذب كاستراتيجية، أو توسيع دائرة الاستهداف. الدول والأفراد في أمسّ الحاجة لمراجعة التجربة الأميركية في تحويل الأصدقاء إلى أعداء؟ نتمنى أن نتعلم الدرس، خصوصا في تلك الأيام المباركة، وكل عام وانتم بخير.