الجفاف..

TT

هل جف الاقتصاد العربي ولم يعد قادرا على إحداث المفاجآت الكبرى؟ يبدو السؤال منطقيا ومهما في ظل نضوب الأخبار اللافتة الخاصة بالمشاريع العملاقة أو الاستحواذات الضخمة أو الاندماجات الهائلة. تصاب الأسواق بالقلق وتبدأ الأنباء والإشاعات في الانتشار وجميعها يصب في محاولات تفسير الأسباب وتحليل الدواعي التي أدت لذلك كله. والسبب الذي يتم إيراده دوما هو غياب «المحفزات» التي تستحق أن يجازف لأجلها رأس المال المتحرك والباحث عن فرص الاستثمار، فلا تزال بعض التشريعات والقوانين «مكبلة» وغير مرنة بالقدر الكافي، بل وفي أحيان كثيرة تكون هذه التشريعات هي المشكلة نفسها وليست جزءا منها.

في الكثير من الحالات تُعطى «الشرعية» للمحتكر وتُمنح مجموعة بعينها الغطاء المناسب للاستحواذ على النسبة التنافسية الأقوى في قطاع بعينه مانعة وجود المنافسة السوية وحارمة بالتالي إمكانية الاستثمار «الجديد» والتوظيف المنشود. حتى وعود الاستثمار الأجنبي وماكينة «جذبه» لم تستطع إغراء الأسماء الكبرى في المجالات المهمة؛ فغابت شركات تصنيع السيارات وغابت شركات المعلوماتية والإعلام وغابت شركات الطيران وغابت الجامعات والمستشفيات العالمية وغيرها من الأمثلة المطلوبة. في حالات الانكماش والتقهقر تكون الأسواق قادرة على الابتكار والإبداع وإعادة اكتشاف نفسها وإدراك فرص الضعف الذي يولد القوة والتكتل الذي يولد منافسة. الأسواق العربية لا تزال ناشئة بحسب إدراكها وبحسب أنظمتها، فالاقتصاد حتى الآن لا يزال يغلب عليه الطابع «الجبوي» بمعنى أن الجباية هي الأهم وهو دور فريق الخزانة وبالتالي يكون الدور المناط هو التحصيل بدلا من أن يكون دور الاقتصاد هو التسهيل واقتصاد العرض الذي يكسر المصاريف ويزيل القيود ويفك الروتين فتزداد أعداد المقدمين على فتح المشاريع وبالتالي الاستثمار فتتلاحق بصورة تراكمية النتائج والعوائد المرجوة. وهذا نموذج مجرب وممارس في مناطق مختلفة حول العالم لأكثر من مرة. إزالة الطبقات وعددها وتقليص حجم مراحل اتخاذ القرار وتخفيض النصوص المطلوبة في الأنظمة والقوانين، من شأنه أن يحدث «ثورة» في فرص الاستثمار، وأن يتحقق بالتالي قانون الجذب المعروف. جهز الأرضية المناسبة وضع البذرة واسقها وستنبت الثمرة. القطاع الاقتصادي لا يزال يسير في الدوائر المعروفة: أسهم وعقار، وبالتالي هو هش البنية وضعيف، يهتز وقد ينهار من أدنى الأضرار، ولن يكون قادرا على تقوية نفسه إلا بتحسين قوانين وبيئة الاستثمار، و«المغامرة» بقلب جريء في التوسع في ميادين جديدة والسماح بالاندماج والتكتلات التي فيها الصالح العام والمانعة للاحتكار والانفراد بالسلع والخدمات. هناك دروس كثيرة من الممكن الاستفادة منها مما حصل في آسيا وأميركا اللاتينية وأوروبا وأميركا الشمالية، دروس تتطلب التمعن بعمق فيما حصل والدخول بقوة في سياسات الإصلاح والتطوير دون خوف أو شك. لأن الثقة هي سلاح الرأسمالية ومتى ما مُنحت أتت نتائجها الإيجابية تباعا.

[email protected]