الطريق نحو الأمام في أفغانستان

TT

الحرب المستمرة في أفغانستان كانت قد بدأت قبل أكثر من ثماني سنوات عندما انعدمت جميع الخيارات إلا العسكري منها برفض «طالبان» تسليم أسامة بن لادن المسؤول عن هجمات 11 سبتمبر 2001، والتي أودت بحياة نحو ثلاثة آلاف روح بريئة على الأراضي الأميركية. اتحد العالم خلف الولايات المتحدة في ردها على تلك الحادثة الأهم في التاريخ الأميركي المعاصر بانضمام حلف شمال الأطلسي إلى الجهود الحربية في أفغانستان وبدعم من المجتمع الدولي ممثلا في مجلس الأمن. لقد حان الوقت الآن لوضع حد لهذه المرحلة بإنجاح الجهود العسكرية هناك وتسليم أفغانستان للشعب الأفغاني كدولة متماسكة لا تسمح لـ«القاعدة» أو غيرها من منظمات الإرهاب باستغلالها كمنصة لإطلاق مخططاتها التخريبية والتدميرية.

لقد أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما خطته الاستراتيجية في 1 ديسمبر 2009 للتعامل مع الوضع الأفغاني وكيفية تحقيق النجاح اللازم لمغادرة المسرح العسكري هناك بتسليم مهام الملفات الأمنية للحكومة الأفغانية. نحن نضع في الاعتبار النموذج العراقي الذي ـ وكما تعهدنا ـ قمنا بتسليم ملفه الأمني للعراقيين بعد أن تمكنا من إيصال الوضع الأمني فيه إلى مستويات مقبولة، والذي بدوره سهل نقل جميع ملفات الدولة إلى حكومة عراقية ذات سيادة. وها نحن الآن في طور تخفيض قواتنا العسكرية هناك والتي ستنتهي بإخراجها جميعا من الأراضي العراقية بنهاية عام 2011 كما تنص اتفاقية وضع القوات. وذلك مثال حي لما نصبو إلى تحقيقه في أفغانستان، وللتأكيد فإن الولايات المتحدة ليس لها أي أطماع في أفغانستان، وفي نفس الوقت لا ترغب في استمرار الوضع الحالي لأن استمرار هذا الحال من المحال.

وعليه فإن الأهداف الأساسية في أفغانستان هي ذاتها التي أعلن عنها أوباما في شهر مارس الماضي والمتمثلة في تعطيل وتفكيك وإلحاق الهزيمة بـ«القاعدة» وحلفائها في أفغانستان وباكستان والحيلولة دون مقدرتها على تهديد الولايات المتحدة وحلفائنا في المستقبل. سوف نحقق ذلك من خلال استراتيجية تعتمد على ثلاثة عناصر: الأول عسكري، ويتمثل في إرسال قوة تعزيزية قوامها ثلاثون ألف جندي على مدى 18 شهرا، تبدأ في الوصول إلى أفغانستان في الجزء الأول من 2010 لإيقاف الحراك الطالباني ولتدريب القوات الأفغانية، على أن تعود تلك القوات إلى أرض الوطن ابتداء من شهر يوليو 2011 ما دامت قد تمكنت من تحقيق أهدافها المتمثلة في خلق ظروف أمنية مناسبة.

ثانيا: العمل مع شركائنا والأمم المتحدة والشعب الأفغاني للسعي من أجل تحقيق استراتيجية مدنية فاعلة تساعد الحكومة الأفغانية على استثمار فرصة تحسن الوضع الأمني الذي ستفرضه القوة التعزيزية السابقة الذكر. وسوف ندعم الوزارات الأفغانية والمحافظين والقادة المحليين الذين يقومون على خدمة الشعب الأفغاني ويعملون على مكافحة الفساد.

ثالثا: ندرك أن نجاحنا في أفغانستان لا يمكن فصله عن علاقة الشراكة بيننا وبين باكستان. إن تلك الشراكة سوف تتسع دائرتها لتتخطى المجال الضيق الذي هي عليه الآن، وسوف تكون أقوى وأدوم لتستمر دهرا إلى ما بعد التعاون الأمني الذي يركز على مواجهة العدو المشترك، أي «طالبان» و«القاعدة» وكل من يسير على دربهم التدميري.

إذن هذه الاستراتيجية تعتمد على العناصر الثلاثة الأهم وهي ـ مرة أخرى ـ متمثلة في الجهد العسكري (لتهيئة الظروف للمرحلة الانتقالية)، والنهضة المدنية (لدعم الأعمال الإيجابية التي يمكن أن تزدهر بفضل الوضع الأمني المتحسن)، وأخيرا الشراكة الفاعلة مع باكستان. يجب إدراك أن هذه الاستراتيجية تعتمد على المساندة الدولية لبذل الجهود الهادفة إلى تحسين الوضع الأفغاني، فالتهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة نتيجة الدعم الذي تقدمه لها «طالبان» ليس محصورا على الولايات المتحدة. فقد شهد العالم المقدرة التدميرية لهؤلاء الإرهابيين في أماكن كثيرة حول العالم، ومن ضمنها عمّان وبالي ولندن. إن هذا الخطر المحدق يتطلب جهدا دوليا لا يحيد ولا يلين، ولذلك فإننا نقدر الدعم الدولي المتعدد الأشكال ـ ومن ضمنه القوات الدولية التي تكاد تصل إلى أربعين ألف جندي ـ ولكننا في الوقت ذاته نطلب مساهمة دولية أكبر.

سوف ندعم الحكومة الأفغانية في مواجهة تحدياتها الأمنية التي تتصدرها «طالبان» و«القاعدة»، بالإضافة إلى جهودها الهادفة إلى تعطيل الاتجار بالمخدرات الذي هو مصدر أساسي تعتمد عليه «طالبان» لتمويل أعمالهم التخريبية. يبقى أن الرئيس حامد كرزاي قد أعلن في خطاب إعادة انتخابه عن رؤية إيجابية للتغلب على المشكلات الداخلية ومنها الفساد، وذلك من الأوليات التي يجب تداركها لكي تتمكن الحكومة الأفغانية من الإيفاء بواجباتها أمام شعبها. كما أننا سنساند جهود كابل لفتحها الباب أمام أعضاء «طالبان» الذين نبذوا العنف وتقيدوا باحترام حقوق إخوتهم المواطنين الأفغان. فالولايات المتحدة لا تحارب لقبا أو وصفا يسمى «طالبان»، إنما نحن ضد كل من يدمّر، ومع كل من يبني.

العبر كثيرة والدروس كثيرة وعلى رأسها أن الولايات المتحدة ليس لها أطماع في أفغانستان، وأننا صادقون في تصريحاتنا. فكما عاهدنا الشعب العراقي والمجتمع الدولي سابقا بأنه بمجرد فرض مقدار أمن مناسب فإننا سوف نغادر العراق (وهو ما نفعله الآن)، فإننا كذلك نسعى إلى تمكين الحكومة الأفغانية والشعب الأفغاني من التغلب على عقود من الحروب والمعاناة حتى نترك أفغانستان في وضع أفضل مما وجدناه عليه.

* فريق التواصل الإلكتروني في وزارة الخارجية الأميركية.