جدة.. موال أحرق حنجرة المغني!

TT

وسط سماء مثقلة بالغيوم تأتي تباشير الصحو أخبارا تتعلق بطوقها (جدة) لتطفو فوق سطح بحارها، ومن هذه الأخبار ما نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» ـ عدد الأحد الماضي ـ حول قرار إزالة بحيرة الصرف الصحي التي تهدد المدينة، وتجفيف مياهها، وفتح مجاري السيول عن طريق إزالة الأحياء القائمة عليها، أو بناء أحواض تجميع للمياه، ثم توجيهها عبر قنوات متصلة بالبحر، وهي خطوات جيدة ـ لو تحققت ـ لمشكلة طال انتظار حلول لها منذ سنوات طويلة.

فما حدث في جدة بكل آلامه وأحزانه وفواجعه كان لا بد أن يسفر عن حلول جذرية لمعاناة هذه المدينة، وإنهاء مسلسل حلولها الجزئية والمؤقتة، وكلي ثقة بأن تكون هذه القرارات مصحوبة بإزالة مختلف الأسباب التي أدت إلى نشوء المشكلة من أساسها، ومن هذه الأسباب حمى الأراضي التي اضطرت أسعارها الجنونية الكثير من الفقراء إلى المغامرة ببناء أعشاش صغارهم في الأودية ومسارات السيول، فخلف هذا القرار المر فقر أمرّ منه، ولعل ذلك يجعل أمانات المدن تعيد النظر في مخططات المنح التي تمنح للناس في مناطق تفتقر إلى كل أسباب الحياة من طرق، وكهرباء، وماء، وصرف صحي، وغير ذلك من الأساسيات، الأمر الذي يحول دون استفادة الممنوح منها، وينتهي الحال ببيعها لتجار العقار الذين أثروا من لعبة الزمن وصبر الانتظار، علينا أيضا أن نأمل بعض الأصوات التي تنادي بفرض ضرائب سنوية على ملاك الأراضي الفسيحة الخالية في دواخل المدن، وبعض أطرافها القريبة، لأن تجميد الأراضي على هذا النحو أسهم في وصول البعض إلى مسارات السيول وبطون الأودية، كما لا يجب أن ندير ظهورنا إلى ظاهرة وضع اليد على الأراضي التي هي ملك الوطن، وهي ظاهرة أفرزت محترفين، وسماسرة، ووسطاء، وكشافين يوشكون ألا يبقوا شبرا على سطح أرض لا يسعون إلى امتلاكه، ولهم في ذلك وسائلهم وطرائقهم المتعددة.

وأخيرا: أشعر أن جدة اليوم ينطبق عليها القول «اشتدي أزمة تفرجي» فـ«الرزايا إذا توالت تولت»، فجدة ستنبثق من بين ركام أحزانها وأوجاعها وشهدائها كطائر الفينيق، فلقد تعلمت هذه المدينة ـ عبر تاريخها ـ من قانون المد والجزر على شاطئها ألا يقعدها الحزن عن أن تجدل ضفائر أفراحها من جديد، فجدة موال عذب حتى ولو أحرق حنجرة المغني.

[email protected]