مزيد من الضغوط على إيران

TT

مع حسم الرئيس الأميركي باراك أوباما أمره بشأن أفغانستان، حان الوقت لنشهد ما إذا كان بمقدور الرئيس المتردد إقناع كونغرس متردد وإلهام أمة مترددة بقبول المزيد من التضحيات الحربية. لكن على الإدارة أن تشعر ببعض الارتياح، فأي خيار ستقوم به سيثير الكثير من التوترات لا ريب.

بيد أن ذلك الارتياح لن يدوم طويلا، ففي الوقت الذي اتخذ فيه الرئيس قراره بشأن أفغانستان، دخلت إيران مرحلة نهائية من الخيارات الحتمية بشأن برنامجها النووي، فقد دعمت الاتفاق الذي يقضي بنقل غالبية مخزونها من اليورانيوم إلى الخارج لتتم معالجته من أجل استخدامه في أغراض سلمية، غير أن توجيه اللوم إليها من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية دفع الرئيس أحمدي نجاد إلى الإعلان عن خطط بلاده في إنشاء 10 مواقع إضافية لتخصيب اليورانيوم، كما صدّق البرلمان الإيراني على قرار يقضي بخفض التعاون مع الوكالة الدولية.

وخلال خطبة الجمعة التي ألقاها آية الله أحمد خاتمي في جامعة طهران تعهد بأن تنتج إيران اليورانيوم عالي التخصيب الخاص بها المخصص للأبحاث الطبية. وهو ما يشير إلى وقوف النظام القائم في طهران موقف التحدي الكامل للمطالب الدولية وتوجهه نحو امتلاك أسلحة نووية.

والسؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل فشل دبلوماسيو الرئيس أوباما؟ هل كانت كلماتهم المعسولة غير كافية لإقناعهم؟ كلا، على الإطلاق، لأن الأزمة الحالية لا تتعلق بامتلاكهم المهارات اللازمة أو افتقارهم إليها، بل بالديناميكيات الداخلية في إيران التي تبدو رافضة للعروض العقلانية ومعارضة للطرق الدبلوماسية.

ما نشهده في إيران اليوم تعزيز لسيطرة الديكتاتورية المسلحة، فمنذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979 عملت القيادة الدينية على بناء ذراع عسكرية لها ـ الحرس الثوري الإيراني ـ يعمل على فرض أيديولوجيتهم، فضبطت الأمن في طهران وأنشأت قوات شبه عسكرية وأدارت الانتخابات الإيرانية بفاعلية وهيمنت على قطاع كبير من الاقتصاد وعملت على بناء أنظمة صواريخ وسيطرت على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، كما ستكون مسؤولة عن القنبلة النووية الإيرانية. وقد كان أحمدي نجاد والكثير من القادة الإيرانيين الآخرين أعضاء سابقين في الحرس الثوري.

لكن في أعقاب المظاهرات الشعبية التي أعقبت الانتخابات التي شابها التزوير في يونيو (حزيران) وسع الحرس الثوري من سلطاته، فأمر آية الله علي خامنئي بإعادة تنظيم جهاز الاستخبارات لمنح الحرس الثوري دورا أكبر ـ خشية أن يثبت عدم ولائها. وقد اضطلع الحرس بمزيد من النفوذ على وسائل الإعلام، فتزايدت الرقابة على الإنترنت وقام بحشد معلمين عسكريين في المدارس الابتدائية. ويناقش خبراء الشأن الإيراني الآن ما إذا كانت قيادة الحرس كاملة تقع تحت سيطرة خامنئي أم أنها تتعدى سلطاته.

لقد أصبحت الطغمة الحاكمة من رجال الدين في إيران مجموعة من العسكر ترتدي لباس التدين، لكن مع ذلك فالأرق يستبد بها من الداخل. فعلى صعيد القضية النووية كان السؤال الرئيس: هل يعتقد هذا النظام أن السلاح النووي سيضمن له البقاء؟ هناك ما يكفي من المؤشرات للدلالة على إيمانه بذلك. فمع وقوع الاضطرابات في شهر يونيو (حزيران)، والتي كشفت عن مدى عرضة النظام الكهنوتي في طهران للخطر، عمدوا إلى الإسراع في البرنامج النووي.

ونظرا لافتقاده الشرعية وخشية الثورة الخضراء، تبدو الحكومة العسكرية في إيران مقتنعة أن القنبلة ستضمن لها النفوذ والاستمرارية، وهو استنتاج عقلاني.

في ضوء ذلك، فإن سياسة أوباما بفرض موعد زمني نهائي للتعاون، التي تم رفضها دون عقوبة، والمداومة على مد يد الحوار بعد رفضها مرات ومرات، ثبت وهنهما وعدم فاعليتهما. بيد أن البدائل الأخرى ليست بالسهلة أو الواضحة.

ربما تكون العزلة الاقتصادية لإيران أمرا جديرا بالمحاولة مرة أخرى، لكن ذلك سيتطلب عددا من الدول التي لا يمكن التعويل عليها بالتضحية بمصالح اقتصادية كبيرة لها في إيران ـ وهو أمر لم يرغبوا في القيام به من قبل ـ أما الخيار العسكري المباشر فهو أمر مشكوك فيه وتعارضه القوات المسلحة ذاتها، لذا فمن الصعب تخيل قيام أوباما «المتروي الكبير» بالأعمال التي توصل جورج بوش إلى أنها تحمل مجازفة بالغة.

لكن التداعيات الأمنية لإيران النووية يمكن أن تكون أكبر من الفشل في أفغانستان، فإيران قوة ثورية غير مستقرة ذات طموحات عالمية وتربطها صلات مع الإرهابيين.

بيد أن هناك خيارا لم يتم التطرق إليه حتى الآن، فإدارة الرئيس أوباما تنظر إلى الانتفاضة الديمقراطية القائمة الآن في إيران على أنها مقلقة بشأن الحوار مع إيران. ومن ثم عمدت الإدارة إلى خفض الدعم الذي تحصل عليه برامح حقوق الإنسان في الجمهورية الإسلامية ووجهت بصرها صوب معارضي النظام الإيراني المنفيين الذين تعرضوا لهجوم في العراق.

وإضافة إلى الضغط العسكري والاقتصادي الجاد، يمكن للرئيس أوباما أن يحاول تجربة الاستراتيجية التي تثير أسوأ مخاوف النظام الإيراني، عبر الدعم العلني وغير العلني للمعارضة الديمقراطية ضد الحكم العسكري، انطلاقا من الواقعية لا المثالية. سيكون ذلك مصدر ضغط كبيرا على النظام الإيراني في وقت أصبح فيه الضغط الأميركي محدودا. وربما ساعد ذلك على المسارعة في عودة النظام المدني إلى الحكم حتى تحظى أميركا بشريك يمكن التفاوض معه.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»