هل دعوت اللورد هاليفاكس؟

TT

يكتب الصحافيون العرب، كبارا وصغارا وبين بين، مذكراتهم عن أيام المهنة، فتجد أنهم صنعوا كل حدث، وتقدموا كل مهني، وكانوا وحدهم حماة الوطن والأمة والوطنية والقومية. ويكتب كبار الصحافيين الأجانب سيرتهم فتجد أنهم مجرد شهود في الظل على أحداث هذا العالم، من الروسي يفغيني بريماكوف الذي أصبح رئيسا للوزراء في روسيا، إلى جان لاكوتور في فرنسا، إلى نبيل الصحافة الأميركية والتر كرونكايت.

اقرأ، متأخرا، كتاب كرونكايت «حياة صحافي»، ومنه تعرف أن رفيق الرؤساء بدأ حياته يبيع الصحف في ميسوري، ثم بائع سيجار عند خاله، ثم مراسلا في صيدلية، ثم بائع ثياب، ثم مساعد طباخ. وفيما كان في الصيدلية، يقوم بإيصال الأدوية، كان يعمل معه أيضا صبي أسود، أو«زنجي» في تلك الأيام. وذات مرة اتهم رجل أبيض الصبي الأسود بأنه كان «يبصبص» على شقيقته. وجزاء ذلك يومها معروف: القتل ببندقية صيد. لكن الخبر ليس هنا، الخبر أنه في العشرينات كان لا يزال ممنوعا، لأي سبب، توجيه تهمة القاتل إلى الأبيض، أو توقيفه، أو حتى التحقيق معه، إذا كان القتيل أسود.

أحب والتر أمه التي عاشت إلى 104 سنوات حياة سعيدة. وكان والده طبيب أسنان قليل الحظ، وأحيانا قليل الحكمة. وذات مرة جاء اللورد هاليفاكس، أحد كبار سياسيي بريطانيا إلى هيوستون، حيث انتقلت العائلة. وإلى مائدة الغداء ذلك اليوم صاح الأب في الأم «هل دعوت اللورد هاليفاكس إلى الغداء؟ ألا تعرفين أنه هنا؟ ماذا فعلت لإعلاء شأن هذه العائلة؟». ويعلق الابن «لم نكن مؤهلين حتى لدعوة مختار الحي».

لم يرتكب خطأ في حياته، لكنه عاش تلك الحياة يعاني من عقدة الذنب «من اشتعال الحرب العالمية إلى سقوط الصحون عن رفوف المطبخ، كنت أشعر أنني أنا المسؤول». بدأ عمله الصحافي في هيوستون محررا للشؤون السينمائية. وفي عام 1948 قبل عرضا لم يرده أحد وهو الذهاب مراسلا «لليونايتد برس» إلى موسكو. كان ذلك غداة الحرب، وكانت موسكو تعمل بنظام الإعاشة. لكن سرعان ما أبلغته زوجته أنها حامل، وبدأت رحلة العودة إلى أميركا.

عرف كرونكايت عز العصر الإذاعي في أميركا، وانتقل منه إلى العصر التلفزيوني. وكانت أول مهمة له في الصوت والصورة تغطية معركة المرشح ايستس كيفوفر لمجلس الشيوخ عام 1956. لكن المرشح اكتشف أنه عندما يصل إلى مكان تهرع الجماهير إلى المراسل التلفزيوني الذي تعرف وجهه. وهكذا طلب إلى الذي سيصبح أشهر وجه تلفزيوني في أميركا، أن يكون آخر من يترجل من باص الحملة.