مسؤولون لا يحبون القراءة!

TT

«الكتاب هو الذي إن نظرت فيه، أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجوّد بيانك، وفخم ألفاظك، وبجَّح نفسك، وعمر صدرك، ومنحك تعظيم العوام، وصداقة الملوك..». ربما لم يدر بخلد قائل هذه العبارة، الأديب العربي العظيم الجاحظ أن يأتي عصر يكون في متناول الموظفين والقياديين في الوطن العربي أحدث ما كتبت البشرية من كتب مترجمة إلى لغة الضاد، لتعلمهم كيف يؤدون أعمالهم بصورة أفضل بدءا من: كتابة السيرة الذاتية والاستعداد لأسئلة المقابلة الوظيفية ومرورا بالمهارات الفنية والإدارية وانتهاء بالطرق المثلى لتقديم الاستقالة!

مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم كانت جزءا من هذا المشروع بانضمامها أخيرا إلى ركب الترجمة حيث أعلنت عن نقل 1000 كتاب إلى العربية خلال 3 أعوام أي ترجمة ما معدله كتاب واحد يوميا، وهو مشروع لم يسبق له نظير في التاريخ العربي والإسلامي. ويشمل ذلك ترجمة أحدث وأفضل الكتب العالمية التي أحدثت تأثيرا في مجالات عديدة منها ما يتصل بالإدارة وتطوير الذات (ويشمل المشروع ترجمة الكتب العربية إلى لغات أخرى).

أمام المسؤولين والموظفين في الوطن العربي، وخصوصا من باتوا يشعرون بمرارة المنافسة في أعمالهم، فرصة ذهبية لتطوير ذواتهم بالنهل من هذه الكتب الجميلة المتنوعة التي تساعدهم على أن يتميزوا، ولو قليلا، عن منافسيهم في سوق العمل أو حتى في الإدارة نفسها التي يعملون فيها، نظرا للمعلومات المهمة والعملية التي تزخر بها هذه الكتب.

القراءة أمر مهم جدا في حياة المسؤولين لأنها مصدر تعلم ذاتي، لا ينضب، خصوصا لمن يتحرّج من سؤال «فلان أو علاّن». وهي أيضا تساعد البعض منا على تطوير مفرداته وإمتاعه وتحسين بيانه كما قال الجاحظ. فكم من قائد مؤثر أو رئيس دولة عظيم يأسر قلوب مستمعيه تجد وراءه ذخيرة كبيرة من حب القراءة، تعينه على حسن ترتيب أفكاره وعرضها بصورة مؤثرة في الآخرين.

القراءة مهمة، وخصوصا الاطلاعية منها على أحدث الأخبار والتقارير المهمة، لأنها تمد المسؤول بمعلومات مهمة وأحيانا مشوقة يمكن أن يستخدمها في بناء علاقة مع صديق جديد خصوصا في بداية اللقاء من باب «إذابة الجليد» كما يقول الغربيون، أو تجعله يستهل بها اجتماعا لتلطيف الأجواء. وإنني لأعجب كيف يتوجه مسؤول إلى دوامه وهو لم يقرأ صحيفته الصباحية، حتى ولو على عجالة، فقد يفوته خبر مهم عن عمله كإقرار كادر مالي أو عزل أو تعيين مسؤول مهم في وزارته فيكون آخر من يعلم! أحيانا، يؤدي خبر في صحيفة إلى تراجع مسؤول عن اتخاذه لقرار معين أو يدفعه إلى تبني آخر استنادا إلى تصريح رسمي قرأه.

وليس مطلوبا من المسؤول أن يكون «مثقفا» واسع الاطلاع ولكن يجدر به أن يكون «مطلعا» على أهم الأخبار والمعلومات ذات الصلة بعمله.

ولمن يعاني من ضيق وقته أمام رغبته في قراءة الصحيفة نخبره بسر «الهرم المقلوب» الذي لا يعلمه كثير من العامة. وهو أن الأخبار في الصحف تبنى على قاعدة أن أهم المعلومات الخبرية (قاعدة الهرم) لابد أن تكون في الفقرات الأولى ثم تليها الأقل أهمية حتى النهاية، بخلاف الحال مع مقالات الرأي التي تبنى على مقدمة ومتن وخاتمة، أحيانا.

وأفضل طريقة لتنمية مهارة القراءة هي بتحويلها إلى عادة. كتخصيص وقت ما قبل النوم أو ساعات الصباح الباكر لقراءة ما يجده المرء «ممتعا ومفيدا» بالنسبة إليه، غير أن أكبر فخ يقع في شراكه كثير من الناس هو الإصرار على تكملة كتاب أو مقال مملين إذ أن الإصرار على هذا السلوك السلبي ينفّر الإنسان من حب القراءة الذي يجب أن يمارسه باستمتاع حتى يؤتي ثماره.

أما أولئك الذين لم يغرس فيهم والداهم ولا نظام تعليمهم الحكومي حب القراءة، فندعوهم إلى أن يجمعوا قصاصات من المقالات أو المقابلات أو التقارير الممتعة، من «شتى الموضوعات» ويقرأون قسطا منها يوميا قبيل النوم، فمع مضي الوقت تتحول هذه الطريقة إلى عادة محمودة قد تغير مجرى حياة الفرد لاحقا، نتيجة تراكم المعلومات لديه (على افتراض أنه سيحسن انتقاءها). والمواظبة على هذه العادة المحمودة لابد أن تفضي إلى تميز صاحبها عن أولئك المسؤولين الذي لا يحبون القراءة والاطلاع فتتقادم معلوماتهم.

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]