آل السعدون بين الإنجليز والعثمانيين

TT

أثار ما ذكرته عن عجمي السعدون بعض التعليقات، فالسيد ضياء الحسن في السويد يرى أن السعدون وقفوا مع الإنجليز في الحرب العظمى، ولكن د. عبد الإله السعدون في الرياض أعطاني تفاصيل دقيقة عن دورهم في تلك الفترة. يقول إن جده سعدون المنصور عارض سياسة التتريك التي تبناها العثمانيون، فعقد سرا اتفاقات مع عشائر الفرات الأوسط وأمراء كردستان وشيوخ الجزيرة للوقوف في وجه هذه السياسة، بيد أن طالب النقيب وشى به فاعتقلوه وساقوه إلى اسطنبول ولكنهم تآمروا على تسميمه في الطريق والتخلص منه كرائد من رواد الحركة الوطنية، فمات ودفن في حلب في قبر كتبوا عليه «الغريب البغدادي».

سأل الدكتور عبد الإله عمه عجمي عندما كان لاجئا في أنقرة عن سر وقوفه مع العثمانيين في الحرب. فأجاب بأن الإنجليز كانوا غزاة كفارا. كيف أقف معهم ضد إخواني المسلمين العثمانيين والذين كانوا يعيشون معنا، نأكل ونصلي معهم؟ ذلك ضد تقاليدنا العربية وشيمنا الإسلامية. وكنا قد أقسمنا على القرآن بالولاء للخلافة. وكان القسم طوقا على رقبتي لا أستطيع نزعه.

ولدى قراءتي لمذكرات عبد العزيز القصاب، وجدت أن رجال السعدون قاتلوا قتالا بطوليا ضد الإنجليز مما سبق وأشرت إليه في هذا العمود. وكان عبد العزيز قد التقاه في منفاه في أنقرة ودعاه للعودة للعراق. فقال له كيف أعود والإنجليز يحكمون البلاد وليس بيدي القوة لمحاربتهم. وقد قدر الأتراك موقفه المخلص فأحسنوا معاملته بينهم. وعندما توفاه الله، شيعوه في موكب عسكري مهيب شارك فيه عصمت اينونو ورئيس الجمهورية وكبار قادة الجيش والحكومة. وأطلقوا عليه أمير الأمراء والصديق الوفي للشعب التركي. ودفنوه في مقبرة الشهداء. رحمه الله.

ومن طرائف هذا التاريخ أنه روى لصديقي الدكتور مثنى القصاب عندما زاره فوصف له بعض أحداث دوره في الحرب. قال إنه حشد جماعته وراء تل في المنتفق يتربصون للانقضاض على الإنجليز. فذهلوا عندما رأوا قافلة بريطانية تمر على الطريق بمركبات تسير بنفسها ولا تجرها الخيل! كانت أول مرة يرون فيها السيارات! ويظهر أن المشهد أذهلهم فلم يهجموا على القافلة.

ولا بد أن يذكرنا ذلك المشهد بموقف الهنود الحمر في أميركا عندما رأوا الأوروبيين يستعملون عصا غليظة تطلق النار بدوي مزعج من بعيد فيسقط أحدهم بسحرها مضرجا بدمه ويقع ميتا على الأرض!

إيه أيها التخلف! هكذا خسر الهنود الحمر أرضهم للأميركان وخسر العرب فلسطينهم للإسرائيليين.

ولكن مشهد ذلك الطير العجيب الذي يحلق في السماء بدوي عظيم، ثم يلقي الحمم على الأرض فيموت عشرات من الناس أصاب سكان الجنوب بذهول أعظم وأعمق. فخرجوا يهوسون ويرددون بشيء من السخرية الخفية على عادة العراقيين: «متعجب خالق له بعيرة!»