بائعة العسل.. وبائعة المساويك

TT

أكثر مواضيعي أستمدها من مواقف الآخرين، ومن كلام الآخرين، ومن سخافات الآخرين أحيانا، ولا أملك إلا أن أصدقهم، رغم أن بعضهم يستغلون سذاجتي ويخلطون الحقيقة بالكذب، أي يبالغون.

وهذا أحدهم، وهو رجل عسكري قال لي: «لدي طفلة لا يتجاوز عمرها ثلاثة أعوام وهي ذكية لكنها كثيرة الكلام و(الشَّيطنة)، فأردت أن أروّضها وأستعمل معها الأسلوب العسكري الذي أجيده، فطلبت منها آمرا أن تبدأ كل جملة وتنهيها بكلمة (سيدي)، مثل: سيدي هل أقدر أن أخرج وألعب؟! سيدي هل ممكن آكل (آيس كريم)؟! سيدي ممكن أتفرج على (الكرتون)؟! وهكذا، وأنا أقابلها بصرامة لا تلين.

وفي أحد الأيام قررت أن آخذها (للملاهي)، وبينما كنت أقود السيارة ووالدتها بجانبي وهي في الكرسي الخلفي، وشعرت بيديها الصغيرتين تطوقان عنقي وهي تقول: سيدي أنا أحبك يا سيدي، فلم أملك إلا أن أوقف السيارة على جنب وأكسر (الروتين) العسكري، ثم أسحبها وأحضنها وأقبّلها وأنا أضحك، فقالت: سيدي إن هذه أول مرة منذ يومين أشاهدك وأنت تضحك!!».

* *

قال لي: إنني أعيش في مدينة بال السويسرية، فهل تصدق أنهم يأخذون أجرة لركوب الكلاب في الأوتوبيسات؟!

قلت له: طبعا أصدق وما أصدق ليه؟!

قال: ولا يتوقف الموضوع عند ذلك، فهم أعطوا أصحاب الكلاب مع كلابهم أسعارا مخفضة إذا كانوا منتظمين ولدى كل كلب «كرنيه» عليه صورته للتحقق من شخصيته، وقبل أيام ركب معنا رجل ومعه كلبه، غير أن السائق عندما شاهد الكلب وتأمل الصورة وجد أن هناك اختلافا، فأوقف «الأتوبيس» وأمره بالنزول مع الكلب، فاعتذر الرجل بأن هذا الكلب لجاره، غير أن السائق لم يقبل هذا العذر واعتبر الموضوع غشا، ولم يكتفِ بنزوله فقط، بل إنه فوق ذلك كتب له مخالفة يدفعها بالبريد.

* *

قبل مدة كنت أتجول برفقة أحد الأصحاب في سوق شعبي مكشوف، وذلك الصديق على شيء من رقة العاطفة الجياشة، ومررنا على فتاة «متبرقعة» وأمامها قدر ممتلئ بالعسل تبيع ما فيه للمشترين وهي جالسة على الأرض، فسألها عن السعر، فقالت له: الكيلو «بكذا»، فقال لها: لا أنا أسألك عن قيمة كل العسل الذي في هذا القدر، فذكرت له السعر، ودون أن يفاصلها بدأ يخرج المبلغ وهو يقول لها: إنني أدفعه لك ولا أريد العسل احتفظي به معك، على شرط أن تغادري هذا المكان حالا، فحرام أن تحرق لونَ بشرتك الصافية هذه الشمسُ التي لا ترحم، فما كان من الفتاة إلا أن انتفضت قائلة له بصرامة: أرجوك احتفظ بنقودك عندك، وإنني أرفض أن أبيعك حتى ولا قطرة عسل واحدة.

وفي هذه الأثناء كانت هناك عجوز كالحة اللون تبيع حزما من المساويك بجانب الفتاة، وسمعت كل ما حصل، فقالت لصاحبي بخبث: إنني متأذية جدا من حرارة الشمس، وأرجوك أيها الرجل الطيب ارحمني واشتر هذه المساويك مني، فنظر إليها بزعل دون أن يرد عليها، وانطلق يسير، وقبل أن أتبعه سمعت «كركرة» الفتاة وهي تضحك.

لحقت به قائلا: ما هذه الغشامة؟! والله إنك فشلتني.

قال: المشكلة أن الناس لا يفهمون براءتي وشفافيتي.