التكنولوجيا الحديثة والأسرة العربية: اتصال أم انفصال وأشياء أخرى؟

TT

التكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها المذهلة وبخاصة «الشبكات الاجتماعية والهواتف الجوالة»، آخذة في التطور والازدياد والانتشار، إذ يستخدمها أفراد الأسرة لمواجهة المتطلبات والضغوط المتزايدة للحياة العصرية، ولكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه بشدة وبخاصة في العصر الحالي هو: هل استطاعت هذه التكنولوجيا بالفعل أن تكون وسيلة اتصال فعالة وصادقة بين وداخل الأسرة العربية أم أنها قلصت من مشاعر الاتصال وأدت إلى انفصال وتفكك في علاقاتنا ومشاعرنا الاجتماعية الحقيقية، وإلى زيادة في همومنا ومشكلاتنا اليومية بما تحمله هذه التكنولوجيا من مخاطر مستجدة؟

في دراسة حديثة على المجتمع الأميركي بعنوان «العزلة الاجتماعية والتكنولوجيا الحديثة» أعدها مشروع «بيو للإنترنت والحياة الأميركية» منظمة غير ربحية تجري أبحاثا حول تأثير الإنترنت في مختلف أوجه الحياة الأميركية - ونشرت نتائجها على موقعها على الإنترنت (www.pewinternet.org) خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وشملت الدراسة 2512 فردا بالغا، وأجريت عبر الهاتف بين 9 يوليو (تموز) و 10 أغسطس (آب) 2008، أفادت هذه الدراسة أن التكنولوجيا الحديثة وخلافا للاعتقاد السائد لا تؤدي إلى عزلة اجتماعية، فالأميركيون الذين يستخدمون الإنترنت والهواتف الجوالة لديهم شبكات واسعة ومتنوعة من العلاقات الاجتماعية، وتناولت الدراسة «شبكات الحوار العام» التي يناقش فيها الأفراد قضايا مهمة، و«الشبكات الشخصية المحدودة» التي يشارك فيها المقربون منهم والذين يتمتعون بثقتهم، وتبين أن «شبكات الحوار» هي أكبر بـ12 في المائة لدى مستخدمي الهواتف الجوالة، وبـ9 في المائة لدى من يتبادلون الصور على الإنترنت، وبـ9 في المائة بين الذين يستخدمون الرسائل النصّية، وفي «الشبكات الشخصية المحدودة» أظهرت الدراسة أن التنوع أكبر بـ25 في المائة بين مستخدمي الهواتف الجوالة، وبـ15 في المائة بين مستخدمي الإنترنت الأساسيين، وحتى أكبر مستخدمي الشبكة بشكل دائم الذين يستخدمون الرسائل النصية أو يتبادلون الصور الرقمية، وبينت الدراسة أن أعضاء الشبكات الشخصية المحدودة يلتقون أعضاء في هذه الشبكة خلال 210 يوما في السنة، ويُجرون اتصالات اجتماعية بهم عبر الهاتف الجوال في 195 يوما، واتصالات عبر الهاتف الأرضي في 125 يوما، واتصالات عبر الرسائل النصية في 125 يوما. والسؤال الذي يفرض نفسه، لو أجريت هذه الدراسة المهمة على الأسرة العربية: هل سنحصل على نفس النتائج، أم ستكون النتائج مختلفة تماما؟

التكنولوجيا الحديثة نوافذ جديدة للمعرفة والاتصال إذا أحسن استخدامها واستغلالها، وتسبب مخاطر وكوارث عديدة إذا أُسيءَ استغلالها، ولكن هل أدى التطور والغزو التكنولوجي الحديث والتنافس الحالي على تقديم خدمات تكنولوجية للأسر العربية في القضاء على العادات والتقاليد والتفاعلات الاجتماعية الحقيقية والصادقة كالزيارات واللقاءات العائلية والأسرية؟ وهل يمكن القول إن الصلات والمشاعر الصادقة والحقيقية العميقة الراسخة بين أفراد الأسرة العربية قد أسهمت تكنولوجيا الاتصال الحديثة في تقليصها وأن تستبدل بها مشاعر إلكترونية سريعة عبر كلمات البريد الإلكتروني والتخاطب عبر الإنترنت (الشات) والرسائل النصية وتبادل الصور الرقمية والفيديو عبر الإنترنت ورنات الهواتف الجوالة، وهل الاتصال والصداقات بين الأفراد عبر الشبكات الاجتماعية والهواتف الجوالة صداقات حقيقية أم زائفة ومخادعة قد تؤدي -وبخاصة بين الأطفال والشباب- إلى سلوكيات وجرائم خطيرة؟

ومن الأشياء والقضايا الأخرى المهمة التي أفرزتها تكنولوجيا الاتصال الحديثة وتثير تساؤلات مهمة بشأنها، مسألة السلامة والأمن عند استخدامها، والتي توليها الدول المتقدمة اهتماما بالغا، ففي شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي، أطلقت الحكومة البريطانية استراتيجية جديدة لضمان الاستخدام الأمن للأطفال والشباب لشبكة الإنترنت وسلامتهم من مخاطر الإنترنت وتعرضهم لمحتويات ضارة أو غير ملائمة، وتتلخص الاستراتيجية في دروس إجبارية للأطفال الذين تزيد أعمارهم على 5 سنوات، في التصفح الآمن للإنترنت وفقا لبرنامج جديد يهدف إلى محاكاة حملات التوعية للأطفال وقوانين الاستخدام والسير الآمن للطرق التي صممت في عقد السبعينات من القرن الماضي، وهذه الدروس جزء من استراتيجية «انقر بمهارة.. انقر بأمان»، وتحمل كود رقمي جديد للأمان على الإنترنت في ثلاث كلمات «Zip it, Block it, Flag it»، وتعني «حدّد، امنع، احظر»، وتحمل كل منها العديد من الدلالات والمعان المهمة.

خلاصة القول: هناك ضرورة عاجلة لإجراء دراسة حديثة حول آثار تكنولوجيا الاتصال الحديثة وبخاصة الشبكات الاجتماعية والهواتف الجوالة على الأسرة العربية وخصوصا بين الأطفال والشباب، وهل استفادت الأسرة العربية بالفعل مما توفره تكنولوجيا الاتصال الحديثة من آفاق وتطبيقات واعدة، وهل أثرت على الترابط والاتصال الأسري والعلاقات الاجتماعية السوية بين الأفراد، وضرورة أيضا أن يكون هناك دروس إجبارية في المدارس والجامعات في الاستخدام الآمن للتكنولوجيا الحديثة، وإعداد «دليل تكنولوجي» للطالب والأسرة العربية يكون بمثابة مرشد صحي وصحيح لحماية الأفراد وبخاصة الأطفال والشباب من الوقوع في مخاطر التكنولوجيا الحديثة ودعم وتحسين العلاقات الأسرية والتفاعل السوي بين الأفراد.