الفكة.. فلتقبل بغداد باتفاق الجزائر!

TT

أثبت التجاوز على حقل الفكة العراقي عدم تغير الأطماع في السلوك الإيراني إلا باتجاه التشدد. ومع أن النظام العراقي السابق اضطُرّ إلى قبول اتفاقية الجزائر، فقد اتخذ قرار إلغائها لعدم التزام نظامي الشاه والخميني بإعادة الأراضي العائدة للعراق بموجبها، ولم تعد إلا بالحرب. ولم تكن الاتفاقية استسلاما للشاه كما يعتقد البعض، ومطالبة الإيرانيين بتطبيقها (حاليا) ليست صادقة. بدليل التناقضات في تصريحاتهم الرسمية وممارساتهم. وكنت شاهدا على المماطلات الإيرانية خلال ترؤّسي الفريق العراقي للجنة العسكرية المشتركة بعد وقف الحرب. بما أن التظاهر الإيراني بالالتزام بالاتفاقية ليس جادا، فإذا ما جددت الحكومة العراقية القبول بها، ولتقبل، فستشهد مماطلات وادعاءات ومناورات إيرانية لا حصر لها يستحيل قبولها من قبل الشعب العراقي، وعندئذ تقام الحجة على الطرف الآخر. لكن، قبل إعلان الالتزام، على الحكومة العراقية عُقد مؤتمر صحافي تُظهر فيه المماطلات الإيرانية والتناقضات الرسمية بين القبول والرفض على لسان كبار مسؤوليهم ووزارة الخارجية، بالصورة والصوت، وأن تؤخذ الاتفاقية رزمة واحدة لا تطبق إلا بكامل فقراتها المرتبطة بالحدود.

الجنرال مولن قائد الجيوش الأميركية فسر التحرك الإيراني في الفكة بالرغبة في التأثير على الانتخابات، والسفير الإيراني في بغداد أيضا نوه بأن التحرك الإعلامي حول الفكة يستهدف التأثير على الحكومة في وقت انشغالها بالانتخابات. مما يدل على استمرار تأييدهم لحكومة المالكي الذي لم يتحدث بكلمة واحدة عن الدور السلبي الإيراني. أما الأرجح، فإن القرار قد اتخذ كخطوة أولية على طريق فرض «غرامات» حرب لا آخر لها. وتوقع سكوت رسمي عراقي. ففوّت الإعلام الفرصة عليهم بوضعه الحقيقة أمام الناس. وأثبت التجاوز الإيراني على منطقة الفكة أطماع المتجاوزين واستخفافهم بحكومة بغداد، ووجود خطط توسع جدية تنفذ بمراحل طبقا للمعطيات، وكذبة الدفاع عن الشيعة العرب. وأثبت على الجانب الرسمي العراقي قصر نظر وجهلا في قراءة المواقف والنيات، وشعورا بالضعف. فيما أدى التجاوز ورد الفعل الرسمي الضعيف إلى مقدمات رد فعل شعبي يتخطى بتصاعده كل الحسابات.

التلاعب بالألفاظ ومحاولات تخدير الناس وتضارب التصريحات، غلبت على طرق معالجة عملية تتوافر لها فرص تلقين قيادة المتجاوزين درسا يجعلها تفكر ألف مرة قبل الإقدام على عمل آخر. فأي ساذج يصدق أن القوة المعتدية كانت مؤلفة من أحد عشر جنديا؟ وإذا كانت الحال هكذا فأين قوات الحدود والقوة الضاربة في محافظة ميسان من جيش وشرطة؟ وإذا لم يكن القائد العام قادرا على اتخاذ قرار بتحريك القوات ضمن حدود الوطن الذي شاءت الأقدار توليه مسؤوليته، ألم يكن ممكنا تحريك أبناء العشائر بالآلاف صوب المنطقة بلا سلاح؟ وألم يكن من حق الوطن نقل جموع عاشوراء من كربلاء إلى الفكة؟ فإن أطلقت القوات الإيرانية النار عليهم تنقلب الموازين الدولية والعراقية والإيرانية على نظام الولي الفقيه!

الخضوع للإملاءات الإيرانية بالتضييق على الاستحقاقات الإنسانية للاجئين معزولين في معسكر أشرف يتمتعون بحق الحماية والرعاية حتى تتاح لهم عودة كريمة آمنة إلى بلادهم، ونزع المالكي ربطة عنقه في «حضرة» المرشد وهو في زيارة رسمية، والسكوت عن قطع المياه عن العراق، وتفادي الإشارة بكلمة واحدة عن الدور التخريبي لفيلق القدس، عوامل شجعت المتحجرين في طهران على التجاوز في الفكة.

وحاول المسؤولون الإيرانيون التلاعب بالألفاظ وجزئيات التحركات التعبوية، فمرة نفوا دخول قواتهم، ومرة قالوا إن النشاط العسكري يجري ضمن حدودهم، وأخرى رجعوا سبب التدخل إلى مشاهدة قوات عسكرية عراقية تقترب!

شاء الموالون من العراقيين للولي الفقيه أم لا، فإن أركان نظام الفقيه لن تتغير نياتهم بتحويل العراق إلى ضيعة لهم. ولم ينتزع منهم حكام بغداد الحاليون من حقوق العراق قيد أنملة، وأثبتوا جهلا بأصالة العراقيين وتربيتهم في تقديم الولاء للوطن على كل ولاء آخر، وسيدرك نظام الفقيه هذه الحقيقة وما عليه إلا تجرّع مرارتها. وفيما يطالب العراقيون بدعم عربي تجاه العدوان الإيراني فالأَولى أن تتخذ الحكومة العراقية موقفا قويا وتصحح موقفها الداخلي والخارجي، وعندئذ تصبح الوقفة العربية مطلوبة على كل الاتجاهات. وهذا لن يحصل في ظل حكومة المالكي. في لقاء منفرد فرضته الصدف، بمكتبي المجاور لبيت الرئيس في بغداد، سألني المالكي قبل أن يصبح رئيسا للوزراء: شلون (كيف) إخواننا العجم؟ فلم أرد عليه، لأن كلينا يعرف رأي الآخر. وحان وقت الإجابة: هؤلاء هم أصدقاؤكم من فريق المرشد الذين أتحتم لهم التغلغل في أجهزة الأمن والجيش والشرطة. ومن المتوقع أن يشهد العراق عموما والجنوب تحديدا تصعيدا بعمليات العنف ردا على الموقف الشعبي الرافض للدور الإيراني.