المغرب العربي 2009: انتخابات وحراك وأحداث مقلقة

TT

اتسم عام 2009 في المغرب العربي بحراك حثيث الإيقاع، شمل بالخصوص البعدين السياسي والاقتصادي. ويمكن القول إن حدث الانتخابات الرئاسية شكل أحد أهم العناوين، وذلك في كل من موريتانيا وتونس والجزائر: ففي موريتانيا وبعد مخاض عسير وشد وجذب وتوترات أدخلت البلاد في حالة عزلة دولية، تم تنفس الصعداء وتجاوز التداعيات الخطيرة لانقلاب صائفة 2008، حيث فاز ولد عبد العزيز بمنصب الرئاسة بنسبة تجاوزت 52 في المائة، وذلك بمشاركة المعارضة التي كانت رافضة الخضوع للأمر الواقع سياسيا ورافضة الانقلاب بوصفه هتكا للدستور وللديمقراطية الموريتانية الوليدة. وهكذا تكون موريتانيا تجاوزت سلسلة الأزمات التي أنتجها انقلاب أغسطس (آب) 2008 وبدأت في الثلاثية الأخيرة من هذا العام تستعيد علاقاتها الدولية. ولعل استقبال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، يمثل نقلة نوعية في ملف موريتانيا الخارجي، إذ كانت فرنسا من أشد المحتجين على الوضع في موريتانيا، ورفضت التعامل مع أصحاب الانقلاب على الأصعدة كافة.

كما أن الخطوة السياسية الذكية التي قام بها ولد عبد العزيز والمتمثلة في قطع العلاقات مع إسرائيل وغلق سفارتها في نواكشوط، قد ساعدت النخبة السياسية الحالية في كسب مؤيدين في الداخل وفي البلاد الإسلامية.

وإن كانت موريتانيا قد أقفلت ملف الانقلاب المرفوض داخليا ودوليا، وبدأت تلتفت إلى ملفات أخرى ذات صلة بمحاربة الفساد والجريمة، فإن مسألة الانتخابات التشريعية والرئاسية التي عقدت يوم 25 أكتوبر تمثل رأس الأحداث في تونس. وهي انتخابات انتهت بفوز الرئيس بن علي بأكثر من 89 في المائة. ولقد تميزت هذه الانتخابات بخصائص عديدة أهلتها لتكون نوعية وذلك لعدة معطيات موضوعية، أولها قطع خطوة هامة في مسألة التعددية إذ ترشح إلى منصب الرئاسة خمسة بمن فيهم الرئيس بن علي. من جهة أخرى تم التوسع في نسبة حضور المعارضة في البرلمان إلى 25 في المائة أي 53 نائبا مع العلم بأن العدد الإجمالي للنواب 214 نائبا. ومن المفروض أن تمكن هذه الحصة النسبية من تقوية أداء المعارضة داخل البرلمان بشكل يُعمق دورها ويجعلها في حالة تنام من حيث القوة والتكتل. الخاصية الثالثة للانتخابات التشريعية والرئاسية التونسية، تتمثل في توسيع المشاركة السياسية للمرأة في مواقع القرار والمسؤولية والمقاعد النيابية، حيث ارتفعت إلى نسبة 30 في المائة وهي نقطة تندرج في سياق مزيد من دمقرطة المجتمع والحقل السياسي.

من ناحية أخرى لا بد من الإشارة إلى أن البرنامج الانتخابي للرئيس بن علي والذي تضمن 24 نقطة، قد أسال حبرا كثيرا في تونس وتجاوب معه المنتمون إلى الحزب الحاكم وأيضا بعض أحزاب المعارضة، حيث تم شبه إجماع بينهم على النظرة التنموية الشاملة للبرنامج الانتخابي الذي مس السياسي والاقتصادي والمالي والثقافي والاجتماعي، واتسم بالطموح وإعلانه الإرادة من أجل معالجة معضلة التشغيل وأيضا تطوير الإعلام والمسار الديمقراطي في تونس، من دون أن ننسى التفاعل الخاص مع خطاب أداء القسم الذي قدمه الرئيس بن علي أمام البرلمان والذي دعا فيه كل التونسيين والتونسيات دون إقصاء أو استثناء لأحد إلى الالتفاف حول الوطن وتجاوز الخلافات وهي رسالة إلى ممثلي المعارضة الراديكالية وغيرهم.

رياح الانتخابات الرئاسية هبت بدورها في الجزائر وفاز بوتفليقة ضد أربعة مرشحين بأكثر من 74 في المائة وسط مشاركة وُصفت بالأعلى مقارنة بانتخابات 2004. والملاحظ أن بوتفليقة بذل جهدا استثنائيا وذلك كرد فعل حماسي وتحدٍ ضد دعوة بعض الأحزاب المقاطعة للانتخابات وللجزائريين للمقاطعة أيضا، ومستفيدا في ذات الوقت من دعم ثلاثة أحزاب رئيسية لترشحه، إضافة إلى نوعية الوعود التي ضمنها برنامجه الانتخابي والمتمثلة في توفير أكثر من ثلاثة ملايين فرصة عمل جديدة والاستمرار في تفعيل برنامجه الاقتصادي الذي خصص له خلال الخماسية الراهنة مبلغ 150 مليار دولار مع إبداء مرونة لمنح عفو شامل للجماعات المسلحة من خلال الاستناد إلى آلية الاستفتاء الشعبي.

وفي سياق آخر شكل مطلب الاعتذار الفرنسي الرسمي للجزائر ودفع التعويضات موضوعا رئيسيا بالنسبة إلى النخب السياسية والثقافية والإعلامية بالجزائر، حيث بدا الإجماع واضحا والنبرة موحدة الصوت والإيقاع.

إلى جانب حدث الانتخابات الذي هيمن خلال 2009 على موريتانيا وتونس والجزائر، فإن الحراك الاقتصادي مثل العنوان الأكبر في المغرب وليبيا، إذ قطع المغرب الأقصى خطوات متقدمة في علاقاته الاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي وأجرى انتخاباته البلدية بتقدم نوعي، وكذلك ليبيا التي احتفلت في سبتمبر (أيلول) الماضي بالذكرى الأربعين لثورة الفاتح من سبتمبر، قد تابعت خيار الانفتاح على أوروبا وأبرمت العقود الاقتصادية مع فرنسا وبريطانيا. ولعل الحدث المميز في ليبيا هو تمكنها في الأشهر الأخيرة من اقتلاع اعتذار إيطالي للشعب الليبي وإلزامها بدفع تعويضات مرحلة الاستعمار الإيطالي لليبيا.

إن المغرب العربي في عام 2009 عاش بالأساس حدث الانتخابات الرئاسية في ثلاثة من أقطاره ولكن إلى جانب الحراك المذكور، فإن المعارضة في موريتانيا شككت في الانتخابات، وفي الجزائر قاطعت بعض الأحزاب الانتخابات، وفي تونس شاركت المعارضة الموصوفة بالراديكالية قانونيا وامتنعت فعليا.

من جهة أخرى، وفيما يتعلق بالأحداث المقلقة مغاربيا نشط ما يسمى بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وأسفرت الفيضانات في الأقطار المغاربية عن خسائر مادية وأخرى في الأرواح.

السؤال الذي يفرض نفسه في خاتمة هذه الورقة: هو إلى أي حد ستشهد السنة القادمة وهي الأولى في الخماسية الجديدة لثلاثة أقطار مغاربية على الأقل تجسيدا للوعود المقطوعة؟ وهل سيخفت التوتر لصالح العمل الجدلي البناء بين النخب السياسية المغاربية الحاكمة والأخرى المعارضة؟