عام عقيم

TT

لم يكتف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد برفض الموعد النهائي العقيم الذي حدده الرئيس باراك أوباما لإيران، بشأن برنامجها النووي، لكنه أدار ظهره إليه، معلنا استمرار بلاده في المقاومة حتى تتخلص الولايات المتحدة من الرؤوس النووية التي تمتلكها، والتي تقدر بـ 8,000 رأس نووي.

ومن ثم فقد انقضى عام 2009، عام الحوار واليد الممدودة والاعتذار غير المبرر، فيما لا تزال أجهزة الطرد المركزي تدور، وبرنامج تطوير الصواريخ ماض في طريقه ومنشأة تخصيب اليورانيوم السرية تجعل إيران أكثر قربا تجاه إنتاج السلاح النووي.

خسرنا عاما لكنه لم يكن كأي عام، لقد كان عام الفرصة الضائعة. ففي إيران كان العام الذي أوشك على الأفول، عام الثورة التي بدأت مع إعلان نتائج الانتخابات، وبلغت ذروتها مع المظاهرات الضخمة التي صاحبت تشييع جثمان عالم الدين آية الله العظمى حسين علي منتظري، والتي تغيرت مطالبها من إعادة فرز الأصوات في الانتخابات المسروقة إلى الإطاحة بالدكتاتورية الدينية. وكان رد أوباما على ذلك النأي بنفسه عن المخاض الجديد للحرية، بدأ أولا بصمت مخز، ثم تلاه ببعض الكلمات التي تعبر عن الاستنكار، ثم أعقبتها محاولات حثيثة للتواصل مع النظام الوحشي. ومع العرض تلو العرض والإيماءة تلو الإيماءة ـ ليس لإيران بل إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية كما يحلو للرئيس أوباما دائما أن يخاطب باحترام الطغمة المتعصبة الحاكمة ـ منحت الولايات المتحدة الشرعية لنظام يحاول يائسا استعادة شرعيته داخل دولته.

ما مدى أهمية ذلك؟ لأن الثورات تنجح في لحظة فريدة وانعطافة تاريخية دقيقة، عندما يدرك الأفراد، وبخاصة أولئك القائمون في السلطة، أن النظام فقد التفويض الإلهي. ومع هذا الضعف الذي حل بهذا النظام الاستبدادي الذي يسعى إلى تأكيد ذاته مرة أخرى، فلماذا تقوم الولايات المتحدة على الدوام بتقديم هذه التأكيدات؟

وبغض النظر عن نبذ ونفي الصيغة القانونية عن تلك الزمرة من رجال العصابات، ينبغي علينا تشجيع ودعم هؤلاء المتظاهرين، وذلك ليس بالأمر التافه. فعندما يتعرض هؤلاء المعارضون للملاحقة والضرب والاعتقال والسجن ربما يستسلمون للشعور باليأس والعزلة. ويعترف ناتان شارانسكي بالأثر الكهربي لخطبة «إمبراطورية الشر» لرونالد ريغان على رفع الروح المعنوية للمعتقلين، حيث انتشرت الأنباء من زنزانة إلى أخرى بشفرة سرية على الجدران، فقد علموا أنهم ليسوا بمفردهم وأن أميركا تناصر قضاياهم.

لكن هل كان أوباما كذلك في يوم كراهية أميركا (الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الذي يوافق ذكرى احتلال السفارة الأميركية في طهران)، عندما غنى المتظاهرون المؤيدون للولايات المتحدة: «أوباما، أوباما إما أنك معنا أو معهم»، في إشارة إلى النظام القمعي.

مثل تلك اللامبالاة الهادئة أكثر من مجرد خيانة لقيمنا، بل هي خطأ فاضح في المقام الأول.

وبغض النظر عن قضايا حقوق الإنسان، لنفترض أنك لا تهتم إلا بالقضية النووية فقط، فكيف يمكنك إبطال فتيل القنبلة؟ فالمفاوضات لا تصل إلى حل جذري، ومهما كانت العقوبات التي ستفرضها الأمم المتحدة فلن تؤثر على موقف طهران، من ثم فإن الأمل الوحيد هو في تغيير النظام. وقد أصدر العالم الديني الكبير الذي يحظى بشعبية كبيرة فتوى ضد الأسلحة النووية.

وحتى وإن تصرفت حكومة تالية على عكس الحكومة الحالية فسيظل التهديد النووي واهنا، إلى حد بعيد، لأن النظام هو الذي يشكل مكمن الخطر. (ولننظر إلى الهند أو بريطانيا على سبيل المثال)، فأي تخصيب نووي قد يمثل مشكلة، لكن استبدال النظام الحاكم بنظام غير معاد للغرب سيغير المعادلة الاستراتيجية تماما، ويجعل التهديد في أقل درجة ممكنة ويسهل إدارته.

إذا ما الذي ينبغي علينا فعله؟ أولا الضغط الخارجي ـ قطع إمدادات البنزين على سبيل المثال ـ وثانيا تعزيز الضغوط من الداخل بحيث لا يكون الهدف من ورائها تغيير استراتيجية النظام الحالي النووية ـ بل المساعدة في تغيير النظام ذاته.

وبإمكاننا، على سبيل المثال، أن نقدم الدعم لاتصالات المعارضة للتحايل على الرقابة كما فعلنا مع حركة التضامن في بولندا، خلال حقبة الثمانينات (في تلك الأيام كانت تلك المساعدات تتمثل في معدات بث إذاعي وماكينات طباعة). لكن ما يأتي على أهمية مساوية هو الخطب الحماسية والدعم الدبلوماسي من القادة السياسيين، كالشجب الكامل لوحشية النظام والملاحقات الأمنية. وبعض القضايا البارزة بنفس الصورة التي تبنى بها القادة الغربيون قضايا شارانسكي وأندري ساخروف، خلال انتفاضة حركة المعارضة التي ساعدت في سقوط الإمبراطورية السوفياتية.

هل ستنجح الثورة؟ ربما تكون النتائج بعيدة، لكن الحوافز سريعة ونتائجها المتدفقة ستمتد من أفغانستان إلى العراق (في كلا النزاعين تدعم إيران المتمردين الذي يقتلون الجنود الأميركيين وحلفائهم) إلى لبنان وغزة حيث يوجد عملاء إيران متمثلين في حزب الله وحماس الذين تمدهم بالسلاح من أجل الحرب.

وبصورة أو بأخرى ستهيمن إيران في عام 2010، وإما إن تشن إسرائيل ضربة جوية أو أن تتمكن إيران من الوصول إلى القنبلة الذرية، ما لم تتدخل الثورة وهو ما يجعل عدم تقديمنا لكل الدعم الممكن لكل شيء في قوتنا لدعم هذه الثورة الشعبية أمرا لا يغتفر.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»