اليمن في بؤرة الضوء

TT

عاد اليمن بقوة إلى بؤرة الضوء على الساحة العالمية.. وللأسف من باب الإرهاب، مع تكشف العلاقة بين متطرفين هناك وحادثتي المذبحة التي قام بها الميجور الأميركي الذي كان على علاقة برجل دين أميركي يمني في قاعدة عسكرية، ثم محاولة الشاب النيجيري تفجير الطائرة الأميركية القادمة من أفغانستان، وأيضا كشف علاقته بتنظيم القاعدة الذي يسمي نفسه قاعدة جزيرة العرب، وينشط منذ فترة في الأراضي اليمنية.

وقصة «القاعدة» واليمن ليست جديدة؛ فهناك نشاط لمتطرفين مسلحين عانى منهم اليمن منذ فترة في أشكال أعمال إرهابية، وهجمات عدّدها نائب الرئيس اليمني بنحو 66 هجوما، وخسائر سنوية للبلاد بنحو 150 مليون دولار من عائدات السياحة، إضافة إلى خسارة وظائف.. إلى آخره. و«القاعدة» التي حوصرت في أفغانستان، والعراق، وباكستان، كانت خلال العامين الأخيرين تحاول إيجاد موطئ قدم لها مرة أخرى في المنطقة يكون مركز عمليات لها، خاصة في الصومال واليمن، مستغلة الأوضاع الداخلية في الأولى التي تعيش حالة فوضى مع محاولات لتثبيت نظام هناك، وفي الثانية غياب الأمن في بعض المناطق، مع ظروف القبلية، وانشغال الدولة بحربها ضد الحوثيين.

ومثلما تدل التجارب التاريخية، فإن بؤر التوتر تغذي بعضها، فكان لا بد بعد فترة أن يؤثر الانفلات في الصومال، ووجود متطرفين هناك في اليمن، لدرجة التهديد بإرسال مقاتلين، بينما كان لا بد لـ«القاعدة» في اليمن، طالما وجدت مأوى، أن تمد نشاطها إلى الخارج؛ لتشكل تهديدا ليس فقط إقليميا، ولكن للأمن العالمي.

وليست هذه المرة الأولى التي يبرز فيها تهديد نشاط «القاعدة» من اليمن للخارج؛ فقد كان تفجير المدمرة كول، في ميناء عدن، سابقا لهجمات 11 سبتمبر (أيلول)، وكانت هناك خيوط كثيرة بين الاثنين، وبين منفذي هجمات سبتمبر (أيلول) و«القاعدة» في اليمن. وفي كل مرة، كان هناك اهتمام دولي، وضغوط، وتنسيق دولي، لمعاونة اليمن في مكافحة الإرهاب. وتدريجيا، يبدأ الاهتمام والتركيز في التلاشي حتى تحدث حادثة جديدة. هذه المرة، دعت لندن إلى مؤتمر دولي لليمن، على هامش مؤتمر آخر لأفغانستان، ستكون المشاركة فيه على مستوى رفيع، ويتوقع أن يكون له جانبان؛ أمني واقتصادي. كما اتفقت واشنطن ولندن على تمويل قوة مكافحة الإرهاب اليمنية، بينما قررت الأولى مضاعفة مساعداتها الأمنية.

كل هذا جيد.. لكنه لا يكفي؛ فصحيح أن هناك حاجة قوية لتدعيم القدرات الأمنية اليمنية وتطويرها بهدف القضاء على بؤر الإرهاب، ومنع «القاعدة» من الحصول على ملاذ آمن هناك، لكن الأهم هو القضاء على البيئة التي تخلق حالة عدم استقرار ومشكلات اجتماعية تجعل أصحاب العقول المريضة من محرضي العنف والتطرف يجدون ضالتهم بسهولة بين الشباب، ليغسلوا عقولهم، ويرسلوهم في مهمات انتحارية.

والجانب الاقتصادي هو الأهم في الحرب على التطرف، وفي القضاء على البيئة التي تولد العنف، وتخلق حالة الإحباط. ولا شيء مثل الحصول على وظائف، والشعور بأن هناك مستقبلا، يستطيع تحصين الشباب تجاه شيوخ التطرف والعنف الذين لا يستطيعون العيش إلا في أجواء الفقر والفوضى. لذلك، فإن جانبا مهما في مساعدة الدولة اليمنية في التصدي للتحديات التي تواجهها، ومنع تكرار النموذج الصومالي، وهو ما سيكون كارثة للمنطقة لو حدث، هو مساعدتها في تمويل خطط التنمية، والارتفاع بمستوى المعيشة والخدمات، خاصة التعليم. وهذا هو الجزء الأصعب؛ لأنه يحتاج إلى المثابرة، والاحتفاظ بالتركيز والاهتمام لفترة طويلة؛ فالعائد لا يأتي في يوم وليلة، والمشاريع تحتاج سنوات للتنفيذ.