بين الأقلام والأقدام!

TT

في زمن الهواية كان اللاعب لا يغير ناديه، وكذلك الحال في الصحافة، فالصحافي قد يقضي عمره المهني في صحيفة واحدة لا يعرف سواها، ويتعصب لها كما يتعصب اللاعبون لأنديتهم الرياضية، وأذكر أننا في مدينة جدة خلال عقد السبعينات كنا ننقسم إلى ثلاث مجموعات صحافية متنافسة: مجموعة صحيفة «المدينة»، ومجموعة صحيفة «عكاظ»، ومجموعة صحيفة «البلاد»، وفي الرياض كان الصحافيون يتوزعون بين صحيفتي «الرياض» و«الجزيرة»، ولكل مجموعة من هذه المجموعات سمات مهنية خاصة قد تختلف في بعض ملامحها عن المجموعتين الأخريين بحسب المنهجية التي تغلب على كل صحيفة، وكان الانتقال من صحيفة لأخرى عملية معقدة نفسيا، تشبه أن يغير الإنسان جلده، وكذلك لاعب الكرة الذي كان يبدأ وينتهي في حدود ناديه.

والصحافيون دخلوا عصر الاحتراف قبل لاعبي الكرة، ففي ظل الطفرة الإعلانية اشتعلت المنافسة بين المؤسسات الصحافية، واتسعت دوائر إغراء الصحافيين على الانتقال، كما هو الحال اليوم بين الأندية الرياضية، وأمام كثرة تنقلات الصحافيين بين الصحف اختفت بعض الخصوصيات التي كانت تميز صحيفة عن أخرى، ومثلها الأندية الرياضية.

وفي مقهى صغير في أطراف حي الهنداوية، اعتبره الصحافيون منطقة محايدة، اعتادوا أن يجتمعوا كل ليلة بعد أن تفرغ الصحف من طبعتها الوحيدة، فكان كل فريق يأتي بنسخة من صحيفته التي ستصدر في الصباح لتبدأ المقارنات، وكثيرا ما كانت تفلت المنافسة من عقالها بين الصحافيين، وتنحسر الموضوعية أمام تعصب كل فريق لصحيفته، وعلى الطرف الآخر من المدينة كانت المسافة بين ملعب «الاتحاد» وملعب «الأهلي» بحي الشرفية لا تتجاوز مائة متر، ولكن لكل فريق عالمه الخاص جدا، فـ«الأهلاوي» أهلاوي حتى النخاع، و«الاتحادي» اتحادي لأقصى درجات العشق، حتى إن انتقال المرحوم اللاعب الكبير إبراهيم عشماوي «كلجة» من «الاتحاد» إلى «الأهلي»، وتسجيله هدفا ضد ناديه السابق «الاتحاد» في أول مباراة له مع ناديه الجديد اعتبر حدثا لم تستطع أن تهضمه معدة المجتمع الكروي في المدينة، فظل حديث الناس عنه على مدى شهور.

والمقارنة بين الصحافي ولاعب الكرة جائزة في جوانب كثيرة، لكنها ظالمة جدا في جانبها الاحترافي، فلقد ثبت بما لا يقبل الشك أن للأقدام حظوة أكثر من الأقلام، فبينما بلغت أسعار اللاعبين الملايين فإن الصحافيين لا يزالون في خانة «الملاليم».

عجبي!

[email protected]