أبو دجانة الخراساني.. ما بعد عطا والجراح..

TT

في سيرة الأردني الشاب همام خليل البلوي أو أبو دجانة الخراساني، الذي فجر نفسه في عناصر من المخابرات الأميركية والأردنية في أفغانستان قبل أسبوعين، ما يجعل قناعات وقراءات كثيرة نسجناها حول تنظيم القاعدة في السنوات الماضية قناعات مشكوكا بها وغير راسخة.

لا شك أن حكاية البلوي هي حالة نموذجية للدراسة والتدقيق ليس على مستوى الفشل الاستخباراتي الرهيب الذي ضرب جهازين استخباريين مهمين، بل أيضا على المستوى الإنساني والعقائدي انتهت بأن فجر نفسه.

هنا تعيدنا حكاية الطبيب الأردني الناجح والهادئ والناشئ في أسرة من أصول فلسطينية عادية محافظة إلى حكايات الانتحاريين الأشهر في تاريخ «القاعدة» وهما محمد عطا وزياد الجراح. فبعد أن كنا اعتقدنا أن نماذج كعطا والجراح طويت مع الضربات التي ألحقت بـ«القاعدة» قيادة وعناصر، اعتقدنا واهمين أن جاذبية «القاعدة» انحسرت خصوصا مع بروز جيل كامل من نماذج قيادية إرهابية من طراز «الذباح» أبو مصعب الزرقاوي، كما تصفه المنتديات الجهادية وكما مدحه في أحد كتاباته البلوي نفسه.

لم تذبل جاذبية التنظيم ولا يزال زعيمه أسامة بن لادن باعثا على هوامات جهادية لشبان كثر. والعملية التي نفذها أبو دجانة واعتبرت اختراقا كبيرا غير مسبوق لجهازين أمنيين هما المخابرات الأميركية والأردنية جعلت من منفذها بطلا يتطلع إليه رواد المواقع الجهادية الإلكترونية على نطاق واسع.

أبو دجانة هذا أجمعت المعطيات على أنه عاش عالمين كاملين متناقضين، حياته كهمام الطالب المتفوق والطبيب الناجح والزوج، وأبو دجانة الخراساني، الشخصية الجهادية التي تشكلت وتكونت وكتبت عبر الإنترنت بل وتم اختياره وتجنيده سواء من قبل أجهزة المخابرات أم من قبل «القاعدة» عبر الإنترنت.

لا شك أن أبو دجانة الخراساني لاعب محترف على شبكة الإنترنت وكان لهذا الأمر دور في صياغته «شخصيته الجهادية». لقد دخلنا هذه المرة في صلب الموضوع من دون تورية ولا استعارة. الإنترنت صاغت شخصية منفذ العملية في خوست. وجرى انتقال سلس وهادئ من واقع افتراضي لهذه الشخصية عبر كتابات وعلاقات إلكترونية إلى واقع حقيقي ومعيش تجسد بانتقال البلوي إلى باكستان والتقاطع بين طالبان و«القاعدة» من جهة والمخابرات الأميركية والأردنية من جهة أخرى.

يتطلب هذا الأمر توقفا عنده. إذ هنا لم تكن الشبكة الإلكترونية بيئة حاضنة لأفعال سابقة على وجودها. إنها الآن في صلب الحدث وهي من يصنعه. ليس على نحو ما افترضه المعلقون على أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، بل مضافا إليه سقوط الوسائط والاستعارات.

أبو دجانة الخراساني يمثل انتكاسة لكل الجهود التي بذلت ما بعد 11 أيلول 2001 لكنه أيضا يمثل نقلة إلى ما بعد محمد عطا وزياد الجراح. فالكاميرا التي التقطت مشهد الطائرة وهي تصطدم ببرج التجارة العالمي هي نفسها هذه المرة من تولى الإغارة. لم تكن وسيطا بل كانت أداة بالمعنى المباشر.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام