الشعور بالخوف هو الهدف الحقيقي لتنظيم القاعدة

TT

ردا على محاولة التفجير الفاشلة داخل إحدى الطائرات في يوم عيد الميلاد، أعربت السيناتور ديان فينستين عما يساور كثيرين، عندما قالت إنه من أجل منع وقوع مثل هذه الأشياء «أفضل ردا مبالغا فيه على رد دون المستوى». ويبدو أن هذه رؤية مجمع عليها داخل واشنطن، لكنها رؤية خاطئة إلى حد ما. إن الهدف الذي يرمي إليه الإرهاب هو استثارة ردود فعل مبالغ فيها، فالهدف الحقيقي الذي يسعى الإرهاب وراءه ليس قتل مئات المواطنين بصورة مباشرة، لكنه يبغي بذر الخوف في نفوس الباقين. الإرهاب تكتيك عسكري غير مألوف، إذ إنه يعتمد على رد فعل المشاهدين. وإذا لم نشعر بالخوف فإن ذلك يعني أن الهجوم لم يؤتِ ثمرته. وللأسف، لقد آتى هذا الهجوم ثمرته بطريقة جيدة، مع أن محاولة التفجير الفاشلة تدلل كثيرا على حالة الضعف التي يعانيها تنظيم القاعدة وليس على قوته.

يذكر أنه خلال الأعوام الثماني التي سبقت الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، كان تنظيم القاعدة قادرا على شن هجمات إرهابية على نطاق واسع داخل عدد من القارات. وكان يستهدف رموزا مهمة للدولة الأميركية، على غرار السفارات داخل أفريقيا، والمدمرة البحرية «يو إس إس كول»، وبالطبع مركز التجارة العالمي. وكانت العمليات حينها تتسم بالتعقيد، كما ظهر في التفجير المتزامن لسفارتين داخل دولتين مختلفتين، وكان يشارك فيها عشرات الأشخاص يحملون جنسيات مختلفة وتدربوا داخل مناطق متعددة في الأنحاء كافة، وحولوا كميات كبيرة من الأموال ونسقوا فيما بينهم على مدار عدة أشهر، وربما أعوام.

في يوم عيد الميلاد، دشنت مجموعة تابعة لتنظيم القاعدة عملية استخدمت فيها شخصا واحدا ومن دون تعيين هدف محدد، واعتمدت على تكتيك واه استخدم قبل ثمانية أعوام حين استخدمه «مفجر الحذاء» ريتشارد ريد. ويبدو أن المؤامرة كانت فرصة انتهزتها المجموعة، ولم تكن ثمرة تخطيط استراتيجي درس بإمعان. وتطوع متعصب نيجيري يتمتع (كما تبين) بماض نظيف لأداء هذه الخدمة، وجُهز بمتفجرات رديئة ووضع على طائرة. وقد فشلت مهمته بالكامل، إذ إنه لم يقتل شخصا واحدا، بل إنه لم يستطع الانتحار. ومع ذلك، فقد نجح تنظيم القاعدة في الهدف الحقيقي الذي يسعى وراءه، وهو جعل النظام الأميركي يعيش حالة من الفوضى. وهذا هو السبب الذي جعل التنظيم الإرهابي يفخر بنجاح عمليته.

هل هناك رد فعل معقول يقع بين الشعور بالهلع والتصرف بسلبية؟ يقول فيليب زيليكو، المدير التنفيذي للجنة الحادي عشر من سبتمبر، الذي أصبح بعد ذلك مسؤولا بارزا داخل وزارة الخارجية إبان إدارة بوش، إنه يجب أن نجرب تحليل العيوب التي شابت الأمن الداخلي بالصورة نفسها التي تحدث عندما تقع كوارث طائرات. فعندما تتعرض طائرة لحادث، صغير أم كبير، تعقد إدارة أمن وسائل النقل اجتماعا لخبراء غير حزبيين يجرون دراسة منهجية للخطأ الذي وقع، وبعد ذلك يرفعون توصيات لتحسين الوضع. ويقول زيليكو: «نتعامل مع أمن الخطوط الجوية، ونحن ندرك أنها مشكلة معقدة، وأن لدينا نظاما جيدا، ولكن هناك بعض العيوب تسبب فيها البشر أو تسببت فيها التقنية أو عوامل أخرى. والهدف هو إصلاح الخلل بصورة مستمرة والمحافظة على تعزيز التصميم والأداء».

تخيل لو قمنا بذلك عندما تحدث مشكلة ما تتعلق بالأمن الداخلي، سوف يعرف المواطنون أن أي هجوم، سواء كان هجوما ناجحا أم لا، يؤدي تلقائيا إلى عملية جادة تهدف إلى تحليل المشكلة وإصلاح مواضع الخلل. وسيصعب على الساسة استخدام كل حادث لتحقيق مصالح سياسية. ولن تضعف الروح المعنوية لدى المواطنين الموجودين على رأس الأمن الداخلي، وهم يشاهدون الساسة ووسائل الإعلام ينتقدونهم في الوقت الذي لا يمتلك فيه المشاهدون معلومات كافية.

إن ردود الفعل المبالغ فيها تصب في مصلحة تنظيم القاعدة. وهي تستثير ردود فعل أخرى يحتمل أن تكون مكلفة وواسعة النطاق وتعوزها الكفاءة، وربما تفضي إلى نتائج عكسية. لا معنى لزيادة إجراءات المسح لكل راكب، فعندما تبحث عن إبرة داخل أكوام من القش، لا قيمة لإضافة المزيد من القش. ما نحتاج إليه هو قائمة مراقبة أوسع وأكثر قوة تكون متاحة فورا للهيئات الحكومية كافة ذات الصلة. يشار إلى أن مليوني مواطن يسافرون على الطائرات داخل الولايات المتحدة كل يوم، ونحتاج إلى عزل نسبة صغيرة من الشخصيات المشتبه فيها وتفتيشها، بدلا من استثارة حالة من الهلع لا حاجة لها.

أما الدعوة إلى التعامل مع المفجرين المحتملين كمقاتلين أعداء وتعريضهم للتعذيب وإرسالهم إلى غوانتانامو، فالله يعلم أنهم يستحقون ذلك. لكن يجب ألا ننسى أن المعلومات الاستخباراتية المهمة التي حصلنا عليها جاءت من والد الشاب، ولو كان الوالد يعتقد أن الولايات المتحدة قوة عظمى آبقة سوف تعذب ابنه وتتعدى عليه من دون مراعاة للآداب، فهل كان سيشي به؟

للحفاظ على أمن هذه البلاد، نحتاج إلى مزيد من الآباء والأعمام والأصدقاء يثقون بأميركا بقدر يجعلهم يسلمون الإرهابيين الذين يسكنون إلى جوارهم.

* محرر «نيوزويك إنترناشيونال»

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»