إذا كانت الجوائز تمنح للكوابيس فهل نحرم منحها للأحلام؟

TT

عندما تسخن الأحداث فقد يحجب الضباب الرؤية الموضوعية للحدث، ويكون من الأفضل الانتظار وهذا يصح في الحدث الذي شغل العالم عندما فاز باراك أوباما بجائزة نوبل للسلام.

وإذا كانت جوائز نوبل تمنح على الإنجازات الفريدة لأشخاص استثنائيين قدموا جديدا مفيدا للكون والبشر، يستطيع أن يبني عليه من يكتشف بعدهم جديدا آخر يفتح أبوابا مغلقة على حياة يحلم البشر أن تكون أفضل، فعندما منحت جائزة نوبل للسلام لباراك أوباما، التي أثار منحها ردود فعل مثيرة وحدية بين قابل مدافع ورافض مشاكس، فإن المبررات التي قدمها رئيس لجنة الجائزة في حفل أوسلو عن رؤية اللجنة الموجبة لمنح أوباما الجائزة وكذلك خطاب أوباما بعد تسلمه للجائزة، يرسم خارطة جديدة للقرن الواحد والعشرين تتمرد على مقاييس القرن الذي قبله، وتنبأ أيضا بما سيكون عليه القرن الجديد في عقوده التي انفرط منها أول عقد فيه، وجوهر الخلاف أو الاختلاف بين مؤيد مدافع ومعارض ممانع، لأن الجائزة تمنح على الإنجاز، وأوباما لم ينجز بعد شيئا مذكورا. وهكذا فالجائزة منحت للنوايا الحسنة وليس للإنجازات المعتبرة.

ولكن هل هناك مقياس لهذه النوايا الحسنة وهل هناك معايير تؤشر على وزن وثقل هذه النوايا، كما أن النوايا منها ما هو باطن ومستتر وبين ما هو ظاهر ومكشوف. لقد أصبح منح الجائزة لأوباما عنوان رواية السلم والحرب، فالجائزة هي جائزة نوبل للسلام والرجل غارق كمن يتنفس تحت الماء في حرب أفغانستان، وجيوشه تعسكر في العراق، وهو ساعة الاحتفال بتسلم الجائزة يرسل ثلاثين ألف جندي جديد إلى المغارات المحفورة في صخور جبال أفغانستان.

وفي المجمل لا أشجار مثمرة بل بذور تزرع لا أحد يعلم متى تحصد وكيف ومن يحصد. ما تغير على الأرض فقط هو ساكن البيت الأبيض جورج بوش الذي ضل طريقه إلى حانة في واشنطن، فوجد نفسه في البيت الأبيض على ظهر حصانه الهائج الآتي من تكساس، فأصبح الساكن الجديد باراك أوباما الأميركي الأفريقي الحامل أحزان الظلم المسكون بأحلام يحملها من شيكاغو. أليس هذا الاسم وعنوانه القديم هو انقلاب حقيقي في إدارة التعبير وإرادة التغيير، وفي رؤية المجتمع الأميركي لدور أميركا قد يكون في اتجاه معاكس.

الرجل الذي يسكن اليوم في البيت الأبيض قفز فوق كل الحواجز، واخترق كل الموانع وحلل كل المحرمات وطوى كتابا أسود صفحاته كل سطر فيها مئات السنين من العبودية والعنصرية، وكان قد جاء قبله من كان يبشر بتبييض حروفه ومحو سوادها، صاحب الحلم الشهير مارتن لوثر كينغ، فحصل على جائزة نوبل للسلام ليس على إنجازاته وإنما على الحلم الذي كان يراه أمامه قريبا، وغيره كان يراه بعيدا بل ومستحيلا.

حلم مارتن لوثر كينغ في بداية النصف الثاني من بداية القرن الماضي، وكان يردد دائما: I have a dream، هذا الحلم قد تحقق في العقد الأول من القرن الحالي، ألا يشفع ذلك لباراك أوباما - إذا كان حقا صاحب حلم جديد يكمل به حلم صاحب الحلم القديم فيصبح الحلم ليس لأميركا وحدها بل للعالم كله - أن يحصل على جائزة نوبل للسلام؟ وإذا تحقق حلم مارتن لوثر كينغ في الداخل الأميركي بكل تعقيداته وتناقضاته حينها، وما شهده في داخله في بدايات تكوينه من مظالم وعنصرية ليحدث بعدها باراك أوباما النقلة الكبرى آتيا من الحارات القديمة البائسة المظلمة في شيكاغو إلى الكرسي الرئاسي في القاعة البيضاوية وسط البيت الأبيض في واشنطن، الذي بناه الأفريقيون الأميركيون الذين كانو عبيدا ليسكنه واحد ذو قربى من أولئك المظلومين والمحرومين، ألا يشفع ذلك لتكون الجائزة لرجل قد يكون يحلم؟ ألا يمكن أن يكون للحلم جائزة في دنيا تمنح فيه الجوائز للكوابيس التي ترعب وتفزع؟ وإذا كانت الجائزة قد منحت لحلم مارتن لوثر كينغ وقد تحقق بعد نصف قرن من الزمان فهل يصبر من يراهن اليوم ويمنح باراك أوباما فرصة عقد أو أقل من هذا القرن المكسر الأضلاع لعل الحلم يصبح حقيقة، إذا كان صاحب الحلم حقيقة كحقيقة مارتن لوثر كينغ وفي عالم اليوم حتى النزقون الذين يحلمون في السلام لا يملون الانتظار، وما الفرق بين من يحلم بالسلام وبين من يحصل على جائزة نوبل، لأنه يحلم بالقضاء على السرطان؟

لم يستطع كل من منحوا جائزة نوبل بالطب أو الكيمياء وكل العلوم وحتى تاريخه أن يقضوا على السرطان لكنهم تقدموا خطوة في حلم يرونه قريبا ويراه الغير بعيدا. والذين منحوا جوائز نوبل في الاقتصاد ألم يكن حلمهم عالم يعيش فيه كل مخلوق على أرضه حرا وسعيدا ولتاريخه أيضا ألا يعيش معظم العالم في فقر كافر وجوع هالك وبؤس قاتل واكتئاب لا تنفع فيه كل مهدئات مصانع الأدوية في كل العالم.

* كاتب وإعلامي سوري