الورقة الخضراء هل تأكل الملوخية؟

TT

قبل أن أتهم بالجنون، لأن سؤالي تَعَدٍّ على مساحة هي من حق القارئ، أقول: لست من عشاق الملوخية، وهو اعتراف غريب، لأنني مصرية المولد، ولكن إذا عُرف السبب بطل العجب.

إذا تجاوزت المصرية الطفولة علموها إعداد القهوة، وفي الصبا تتعلم طهي الأرز، ثم فصل أوراق الملوخية عن سيقان النبات، وغسلها ثم نشرها على منشفة قطنية في الشمس حتى يتبخر الماء، ثم تخرط بمخرطة معدنية لا يخلو منها بيت. وفي النهاية، تتعلم عروس المستقبل إعداد شُربة الدجاج، وضبط كمية الشربة لكي تناسب كمية الملوخية، بحيث يكون قوامها غير غليظ وغير خفيف، قبل «طش» تقلية الثوم والكزبرة.

تعلمت طهي الملوخية، وأعتقد أنني أعددتها ألف مرة بنجاح، ولكني اكتشفت مبكرا أن الصداقة بيننا مستحيلة، حيث إن أكل الملوخية يسبب لي عسر هضم شديدا.

منذ أيام وصلتني رسالة عبر الإنترنت، يدعي مرسلها أنها بحث عن فوائد الملوخية، يرد فيه ذكر أسماء عدة أطباء إخصائيين، تتراوح مهاراتهم بين الطب النفسي، والعصبي، إلى أمراض الجهاز الهضمي، وعلاج العقم. فيقول البحث إن الملوخية علاج لأمراض القولون، لما تحتويه من ألياف تسهل الهضم، وتساعد على التخلص من الإمساك، كما أنها تهدئ الأعصاب، وتخفض ضغط الدم. أما إخصائي الأمراض النفسية والعصبية فيؤكد أن الملوخية غنية بالكاروتين والبيتاكاروتين، الذي يساعد على إفراز السيروتونين المخفف للاكتئاب، إضافة إلى أن الملوخية تقوي جهاز المناعة، وتزيد من مقاومة الجسم الالتهابات والأمراض، وتحميه من الشيخوخة المبكرة.

قرأت الرسالة من أولها إلى آخرها، وازدحم عقلي بأسماء الفيتامينات والأملاح المعدنية، من حديد وفسفور وكلسيوم وبوتاسيوم ومنغنيز وصوديوم كمكونات للملوخية، التي زعم البحث أيضا أن لها دورا فعالا في تحسين العلاقة الخاصة بين الزوجين. يعني لو كنت رجلا، فكل الملوخية لتنشيط إفراز التستوستيرون، ولو كنت امرأة فالملوخية هي سبيلك إلى تنشيط التبويض، وعلاج العقم والملل الزوجي.

لو لم أكن فوزية، لقمت من فوري لإعداد الملوخية، ولكن بقية من عناد وميل إلى عدم أخذ الأمور على علاتها ألهماني، فقلت لنفسي: ومن أدراني أن هذا البحث بحث بحق؟ قد لا يكون بحثا على الإطلاق، وإنما دعاية ترويجية لمزرعة ملوخية، فالمعلومات التي تصل على الإنترنت لا سبيل إلى توثيقها، ويمكن لأي شخص أن يودِع ماكينات البحث معلومات يرغب في إيداعها للاستهلاك العام. أمضيت ساعتين في استقصاء الحقيقة، فأثمر بحثي عن أن الملوخية نبات من فصيلة الخبازى، وجد في مصر منذ أيام الفراعنة، ثم انتقل من مصر إلى بلدان الشرق، وتعددت طرق إعداده للمائدة، فأهل الشام يطهون الأوراق كاملة ويشبعونها ليمونا. كما أن الملوخية معروفة في اليابان، وفي بعض الدول الأفريقية مثل نيجيريا، وهي حقا غنية بالأملاح المعدنية والكاروتين. ولعل أطرف المعلومات التي وجدت هي أن بعض المصادر تسمي الملوخية الخبازى اليهودية.

فجأة تبدل عدائي المكتسب للملوخية إلى رغبة عارمة في الدفاع عن أصولها وهويتها ومستقبلها. خفت أن يكون مصير الملوخية هو مصير الفلافل والتبولة، بحيث يأتي اليوم الذي تباع فيه الملوخية معبأة في زجاجات على أنها شربة إسرائيلية لعلاج آلام المفاصل، والإمساك، ويمنع تصديرها إلا بإذن من بنيامين نتنياهو، ثم يأتينا بحث آخر على الإنترنت مفاده أن الحاكم بأمر الله الفاطمي حرم أكل الملوخية احتراما للحقوق اليهودية.