لا تراجع عن الإصلاح داخل باكستان

TT

عندما انتخبتُ رئيسا قبل أكثر من عام، كانت باكستان في حال خطير حيث تنازعتها الأعمال الإرهابية والاقتصاد المنهار. وتطلبت مواجهة آثار دكتاتورية استمرت على مدى عشرة أعوام اتخاذ إجراءات جريئة، البعض منها لا يحظى بشعبية. وأعمل مع البرلمان على إدارة هذه البلاد، وليس على إدارة حملة سياسية. وتسعى حكومتنا الديمقراطية إلى تنفيذ سياسة تحسين الأوضاع المعيشية للباكستانيين بصورة كبيرة. وبمرور الوقت، ستثمر السياسات الجيدة ساحة سياسية صالحة.

وتحتاج أزمتنا الاقتصادية إلى إجراءات غير مسبوقة. وفيما يتعلق بالضرائب والتعليم والزراعة والطاقة، أشرنا إلى أنه يجب أن نتكيف ونجري إصلاحات كي نعتمد على أنفسنا. ولا يريد الإرهابيون النجاح لباكستان، بل يريدون صرفنا عن التجهيز لمستقبل مستقر مزدهر. وبعد أن قام مفجّر انتحاري بقتل 75 شخصا شمال غربي باكستان الشهر الحالي، أشارت تقارير إعلامية أميركية إلى أن «هدف المسلحين هو بذر الخوف بين المواطنين بصورة عامة على أمل وضع المزيد من الضغوط السياسية على حكومة الرئيس آصف علي زرداري كي تتراجع». ولكن هؤلاء المسلحين يستقلون بنا، ففي الوقت الذي يرفض فيه شعبنا ممارسة الإرهاب ضده، ترفض حكومتنا التراجع عن طريقها صوب المسؤولية المالية والمحاسبة المجتمعية والشفافية المالية.

وتعين زيادة أسعار الوقود ورفع الضرائب من أجل استعادة الاقتصاد لعافيته. ومفهوم أن هذه الإجراءات لا تحظى بشعبية. وكان يجب قبول شروط صارمة كي نقيم شراكة مع صندوق النقد الدولي، ولكننا نتفهم ظروف اقتصادنا والاقتصاد العالمي ونعمل بحسم.

لقد كلفت الحرب على الإرهاب الدولة الباكستانية أرواحا واقتصادا، حيث إنها أصابت الاستثمارات الدولية بحالة من الجمود وحوّلت الأولويات عن القطاعات الاجتماعية وغيرها. وعلى الرغم من التحديات المستمرة على عدد من الجبهات، تحملنا الضربات السياسية وتمسكنا بالإصلاح. وقد أثنى صندوق النقد الدولي على «الجهود التي تتخذها السلطات من أجل تحقيق استقرار اقتصادي أفضل لتعزيز الإصلاح الهيكلي ووضع الأساس لنمو أفضل وأكثر استدامة. وتعد الإشارات الأولية على الانتعاش وتراجع التضخم وتحسن الوضع الخارجي أشياء مشجعة». وقد وفّت الدولة الباكستانية بمعايير صندوق النقد الدولي الشهر الماضي كي تحصل على «الدفعة الرابعة»، أي على 1.2 مليار دولار. ولا يعد ذلك شيئا سهلا في ضوء الركود العالمي. ومعلوم أن الحكومات الفاسدة لا يمكن لها الوصول إلى هذا المستوى من الشراكة مع صندوق النقد الدولي. وقد أثنى البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على الإنجازات التي حققناها. وربما لم ترد تقارير كثيرة عن هذا الثناء، ولكنه أكثر أهمية من وهم الاستطلاعات.

وتعد الانتعاشة الاقتصادية التي تشهدها باكستان بالأساس ثمرة دمائنا وكدنا. وقد جرت المفاوضات من أجل إعادة الديمقراطية وتنفيذ ذلك بوساطة غربية. ويعرف الباكستانيون أن السعي من أجل تحقيق المنافع دفع في بعض الأحيان الديمقراطيات الراسخة في العالم إلى دعم أنظمة دكتاتورية، كما حدث في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. وأمام الغرب مسؤولية أخلاقية لضمان أن انتقالنا الديمقراطي سيستمر، حيث إنه يجب أن تسود قيم أخلاقية على المدى الطويل. ولو كان مجتمع الدول الديمقراطية المتطورة قد صاغ خطة تنموية مبتكرة بعد انتخاباتنا الديمقراطية الأخيرة على غرار مشروع مارشال لإعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، لتحقق مقدارا أكبر من الاستقرار العسكري والسياسي والاقتصادي.

ويعارض البعض داخل بلدي الجهود التي تبذل من أجل زيادة صلاحيات محافظاتنا ومسؤولياتها المالية والتكامل بين مؤسساتنا. ويعارض من ألفوا الدكتاتوريين إحداث تغيير. وقد جربت باكستان نهجهم ومنيت بكارثة. ونسعى حاليا من أجل بناء دولة باكستانية جديدة من خلال حلول طويلة الأجل تعتمد على إدارة مالية سليمة.

وفي الوقت الحالي، تشير بعض التقارير الغربية إلى أن الجيش الباكستاني لا يدعم سياسات حكومتنا الديمقراطية. وهذا ليس صحيحا. فبالإضافة إلى أن جيشنا يحارب بشجاعة المتطرفين داخل سوات ووزيرستان فإنه يحقق نجاحا في ذلك، تقوم قواتنا بدعم عملية الانتقال الديمقراطي داخل بلادنا والالتزام بالدستور. ويشكك البعض داخل باكستان في تحالفاتنا الدولية لأنهم يعارضون تصرفات حلفائنا مثل الهجوم الأميركي الأحادي باستخدام طائرات من دون طيار ضد مسلحين في وزيرستان الذي نفذ يوم الخميس الماضي. ويجب أن نتفهم جميعا هذه المخاوف. ولكننا نقاتل من أجل حياتنا، ولا يمكن أن تعتمد سياسات باكستان على ما يحظى بالشعبية وحسب. فعندما مدّ فرانكلين روزفلت طوق نجاة إلى بريطانيا من خلال برنامج الإعارة والتأجير، كان الأميركيون الذين يدعمون تحدي النازيين قلة. وكان دعم الأميركيين لسعي هاري ترومان لإعادة بناء أوروبا نسبته أقل من 15 في المائة، وقد قاموا بما هو صحيح، وليس بما يحظى بشعبية، وسوف نقوم أيضا بذلك.

لقد أظهر التاريخ الفارق بين السياسات النفعية والأهداف الطويلة الأجل التي يتبناها رجال الدولة الحقيقيون. وعندما يُكتب تاريخ وقتنا، سوف ينظر إلى قرارات الدولة الباكستانية على أنها نقطة تحول لاحتواء الإرهاب الدولي. إننا نبني اقتصادا ومجتمعا صالحا للعمل. وفي النهاية، فإن هذه الإجراءات التي لا تحظى بالشعبية في بعض الأحيان سوف تصوغ دولة باكستانية تبعد الأكسجين عن نار الإرهاب. ويستقلُّ مَن يعولون على تراجع باكستان عن القتال، سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي، ببلدي وبي شخصيا.

*رئيس باكستان

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»