حزب الشماتة!

TT

الجهل والتطرف ليسا محصورين في جنسية أو ديانة بعينها، ولكنهما موزعان حول العالم وللكل نصيب منهما. ويبدو هذا جليا من خلال تصريح القس المتطرف بات روبرتسون وهو يعلق على أسباب الزلزال الكبير الذي أصاب هايتي ودمر عاصمتها مخلفا عشرات الآلاف من الضحايا ودمارا كبيرا، ورأى أن كل ذلك هو أن هايتي «عقدت اتفاقا مع الشيطان منذ زمن بعيد أدى بها إلى أن تصاب بسلسلة متتالية من المصائب الطبيعية والكوارث الكبرى بلا توقف مما أدى إلى أن تكون هذه البلاد منكوبة دائما»، وهذا التصريح لا يختلف في مضمونه عما سبق وصرح به بات روبرتسون من قبل خلال إعصار كاترينا وأن ما حدث كان نتاج مصائب نيوأورليانز وسكانها، وكان روبرتسون قد سبق أن أيد تصريح قس شديد التطرف هو جيري فالويل الذي سبق أن قال إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) هي «عقوبة مستحقة على أميركا نتاج خطاياها»، وهذه التصريحات تشبه ما صدر أخيرا من بعض الناطقين باسم الدين الإسلامي في تعليقهم على كوارث سيول جدة الأخيرة وأن ما حدث لجدة كان «عقابا مستحقا نتاج ذنوب وخطايا أهلها». وهذا التصريح يأتي مثل آخر جاء من قبله وهو يعلق على زلزال أصاب إندونيسيا وأودى بحياة الآلاف من المسلمين بأنه جاء نتاج «الذنوب والفسق والمعاصي».

والحقيقة أن هذه النوعية من التصريحات تحمل كما مهولا من العنصرية الانتقائية البغيضة واللغة الدونية المريضة، فعباقرة فتاوى الزلازل والكوارث كانوا صامتين حيال زلزال إيطاليا ومن قبله زلزال اليابان ولم «يبرروا» أو «يفسروا» تلك الزلازل! ولكنهم اعتبروا أن إندونيسيا وسكان جدة.. ذنوبهم كثيرة ويستحقون العقاب وكذلك فعل روبرتسون بعدم تعليقه على زلزال إيطاليا (على الرغم من أن إيطاليا كاثوليكية وهو بروتستانتي متطرف ومعروف حجم العداء بين الاثنين)، ولكنه مع ذلك التزم الصمت وآثر انتقاد نيوأورليانز وهايتي وكلتاهما أغلبية سكانها من أصول أفريقية، وبالتالي من «الممكن» إهانتهما بهذا الشكل المريض. حتى «الجهاد» له انتقائية، «فبيض» الشيشان والبوسنة وكوسوفو والأفغان نالوا اهتماما أكبر من «سمر» الصومال.. عجبا هناك كم مهول من الجهل والتطرف المغلف بعنصرية والمحاط بهالة دينية ملائمة تحميه وتمنحه القدسية المطلوبة لتمرير تلك السموم والقنابل الملغومة حتى تتحول إلى جزء أساسي من التراث والعادات والتقاليد وتصبح موروثات وثوابت يجب الدفاع عنها. يقولون إن الألفاظ «سعد» وليس كل الناس قادرة على معرفة ما تقول بالشكل المناسب ودعمه بالطريقة السليمة، ولكنها تخرج ما في قلبها من سموم! دائما أفزع من الذي يبدأ حديثه بالقول «أنا لست عنصريا وأنا ليس عندي تفرقة بين كذا وكذا»، وقتها يزاد يقيني أنني أمام كتلة من العقد والأمراض لأن الإنسان السوي ليس بحاجة لأن يصرح بذلك. كنت أتحدث مع صديق وهو يحاول أن يشرح لي أن الانتخابات تفرز الأغلبية وعلى المجتمع قبول ما تأتي به من نتائج مهما صعب هضمها. الأغلبية تأتي بما يشتهيه الناس «هذه مقولة شعارات». الدول مطالبة بحماية مجتمعاتها فتضع النظم التي تحمي كل من ينتمي إليها لتمنع تهميشه بقوى الجهل والتطرف، حتى في أميركا «أم الديمقراطية» وضعت نظم المحاصصة وسميت بالـ EQUAL OPPORTUNITY وبغير ذلك ما كان وصل كولن باول لمنصب وزير الخارجية ولا كونداليزا رايس ولا وصل باراك أوباما لمنصب رئيس الجمهورية نفسه. كنت في لبنان وأعجبني أحد أصناف الحلوى فسألت عن اسمه فقيل لي «رأس العبد» قلت «يا لطيف.. وما أبشعه من اسم، ولكن في بلد الطوائف لا بد من وجود العبيد» وحال لبنان من حال غيره!.

[email protected]