تمرد فتيات!

TT

حتى عهد قريب لم تكن بلادنا تعرف سجنا للنساء، ولا دورا لرعايتهن خارج بيوتهن، لكن عواصف الزمن لم تبقِ شيئا على حاله، وغدا بعض النساء كالرجال عرضة للوقوع في المحظور، وبالتالي عرضة للعقوبة، وإن كنّا كمجتمع نؤثر أن نعتبر سجن المرأة كالكي آخر الدواء، ورغم هذا فإن ثمة حالات قد تقتضي أبغض الحلول، المتمثل في عقوبة السجن، وهذا ما أوجد سجونا للنساء، ودورا بديلة عن السجون لرعاية الفتيات أريد لها أن تكون بيئات حافزة على الرشد، غارسة للفضائل، داعمة للتوبة. ولكي تقوم هذه الدور برسالتها الإنسانية العظمى فإنها في حاجة إلى فريق عمل يتشكل من عدد من المختصين في علم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم الجريمة، يمتلكون خبرات علمية في تعديل السلوك، وتنقية الأعماق، وترسيخ مكارم الأخلاق، وتعميق القيم الفاضلة، لكي لا تتحول تلك الدور إلى مجرد أماكن توقيف لا تزيد النزيل إلا بؤسا.

وقد كنا يوم الجمعة الماضي أمام حدث غريب، تمثل في حالة عصيان وتمرد داخل دار لرعاية الفتيات في مكة المكرمة نتج عنها بعض الإصابات، الأمر الذي تطلب تشكيل لجنتين لتقصي الحقائق، واحدة بتوجيه أمير المنطقة، والثانية بأمر من وزير الشؤون الاجتماعية، ولعلها فرصة مواتية لا لتقييم دار الرعاية بمكة المكرمة فحسب، بل لتقييم كل الدور المماثلة، لمعرفة أجوائها الداخلية، وإمكاناتها، واحتياجاتها، ومدى اقترابها أو بعدها عن الأهداف التي أنشئت من أجلها.

وما حدث في دار الرعاية بمكة المكرمة يوجب تقصي الحقائق، فقد يكون خلف جنوح الفتيات إلى الشغب عذابات لا تطاق، خاصة أن رئيس فرع جمعية حقوق الإنسان في المنطقة يعلن أن شكاوى النزيلات تشير إلى تعرضهن لعدد من الانتهاكات، ومنها الضرب وسوء المعاملة، وأنهن يعشن في ظروف مكانية غير مناسبة، ويتلقين تغذية سيئة، ويشير إلى أن المخالفات التي رصدتها الجمعية بدار رعاية الفتيات بمكة المكرمة منذ عامين لم تتغير حتى وقوع الشغب يوم الجمعة الماضي، كما تنسب صحيفة «عكاظ» - عدد الاثنين الماضي - إلى مصادر مطلعة أن هيئة التحقيق والادعاء العام رفعت الأحد الماضي تقريرها النهائي لإمارة منطقة مكة المكرمة، متضمنا 100 شكوى من نزيلات الدار، تراوحت بين سوء التغذية، ورداءة معدات الطبخ، وندرة الوجبات، وسوء المعاملة، وحجوزات انفرادية تخلو من وسائل التهوية.

ولو صح كل ذلك فإنه أمر يدعو إلى الأسف، حيث من المفترض أن تقيل تلك الدار عثرات فتيات واجهن ظروفا كأداء، حرمتهن من دفء البيوت وحنان الأسر، فتشعل في دروبهن مصابيح الأمل من جديد، وتلقي إليهن بأطواق النجاة من الإحباط واليأس والقنوط، وأن ترصف طريق الغد لهن بالثقة، وقبل كل شيء أن تعمق ارتباطهن بالرحمن الرحيم، غافر الذنب، قابل التوبة، مجيب الدعاء، خاصة أن من نزيلات الدار من ترفض أسرهن تسلمهن، فتغدو الدار بالنسبة لهن الخيار الوحيد في هذه الدنيا.

ولكل نزيلات دور الرعاية دعاء صادق بأن يجعل حياتهن القادمة أكثر إشراقا، ونقاء، وأمنا.

[email protected]