تركيا وإسرائيل.. حربنا بالواسطة

TT

هي أزمة دبلوماسية سياسية في عمقها لكن ساحة المواجهة وأداتها كانت الإعلام..

من تعمد إهانة السفير التركي من قبل نائب وزير الخارجية الإسرائيلي المتمثل في ترتيب الجلوس بمستوى منخفض، وإغفال وضع العلم التركي كما تقتضي الأصول الدبلوماسية، وصولا إلى عدم الابتسام والتجهم، وكل هذا أداء مدروس أمام الكاميرات لتبليغ رسالة استدرج الإعلام لنقلها وخوض تفاصيلها.

لكن يبدو الاحتيال الإعلامي السياسي الإسرائيلي ارتد إحراجا وأزمة بدأت بتوجيه إهانة إسرائيلية إلى دبلوماسي تركي لكنها انتهت بإهانة أكبر لإسرائيل. ويبدو أن تبعات تبوؤ اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان للخارجية الإسرائيلية باتت أصعب من احتوائها من قبل المؤسسة الإسرائيلية التي بدت في الأزمة الأخيرة غافلة عن التحولات الحاصلة في تركيا أو غير قادرة على استيعاب الانعطافة التركية نحو محيطها العربي والإقليمي التي ظهرت منذ أكثر من عام وحتى الآن..

بدت الأزمة التركية الإسرائيلية الأخيرة أزمة بالواسطة بين العرب وإسرائيل..

كان لافتا اهتمام الصحف الإسرائيلية بتغطية الإعلام والصحافة العربية للأزمة بين أنقرة وتل أبيب، والذي أخذ حيزا أكبر من الاهتمام الإسرائيلي بما يرد في الصحافة التركية نفسها وبردود فعلها على ما تعرض له السفير التركي في تل أبيب. بالمقابل برز اهتمام إعلامي عربي واسع بصورة استقبال نائب وزير الخارجية الإسرائيلي دان أيالون للسفير التركي والتعمد في إهانته. فاق اهتمام الإعلام العربي والإسرائيلي بالصورة الدبلوماسية والأزمة ومعانيها الاهتمام بصور مأساة هايتي التي تسببت بمقتل وجرح مئات آلاف الضحايا.

ينقل عن وزير الخارجية الأميركية السابق هنري كيسنغر قوله في نهاية السبعينات إن سياسة إسرائيل الخارجية هي سياسة داخلية محضة، وهو ما يرى معلقون إسرائيليون وأميركيون أنه تشخيص لا يزال صالحا إلى اليوم، وهو ما تبدى في الأزمة التركية الإسرائيلية الأخيرة.

قد يتوهم العرب في تقدير حجم التصعيد التركي حيال إسرائيل وخصوصا أن هناك من بالغ في الصحافة العربية بالاحتفال بالوثبة التركية (المحقة من دون شك)، إذ يبدو أن في أنقرة وتل أبيب ميلا لإنهاء صفحة الأسبوع الماضي.

هنا، يغفل الاحتفال العربي بالنصر الدبلوماسي التركي حقيقة أن بين تركيا وإسرائيل علاقات دبلوماسية ومصالح عسكرية واقتصادية وسياسية أيضا، وهو أمر يضع (النصر التركي) في غير سياقه على الرغم من أهميته.

ففي دأبنا المتواصل على البحث عن نصر عربي متوهم نخترع انتصاراتنا، فنصبح عاجزين عن استثمار هفوات خصمنا على نحو مضحك. ما أقدمت عليه الخارجية الإسرائيلية بقيادة ليبرمان مؤشر في سياق مختلف، لعل رصد رد فعل الإعلام الإسرائيلي مفيد على هذا الصعيد، ولا نبالغ في حاجة كل من أنقرة وتل أبيب إلى احتواء الأزمة الأخيرة والتي يبدو أن زيارة وزير الدفاع الاسرائيلي إيهود باراك إلى العاصمة التركية كفيلة بضبط مفاعيلها والحيلولة دون مزيد من التدهور.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام