أفغانستان: الحل بتغيير السياسة الأميركية وبزيارة لأوباما

TT

مع حادثتي الرفض الثاني لأعضاء في حكومة الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، والهجوم الكبير الذي شنته طالبان على المؤسسات والمباني الحكومية والتجارية في كابل، يقول لي محدثي البريطاني، إنه في أحد الأفلام الوثائقية عن حرب فيتنام، يروي وزير الدفاع الأميركي خلال تلك الحرب، روبرت مكنمارا، عن لقاء له بعد سنوات من انتهاء تلك الحرب مع أحد مقاتلي الفيتكونغ، يقول مكنمارا، إن المقاتل أخبره بأن الأميركيين لم يدركوا إطلاقا طوال حرب فيتنام ماهية الصراع، هم اعتقدوا أنهم يقاتلون الشيوعية العالمية، لكنهم لم يكلفوا أنفسهم دراسة تاريخ الفيتناميين، وصراعهم ضد الاستعمار الفرنسي.

كانت واشنطن تعتقد أن جنودها يسفكون دماءهم لوقف التمدد الشيوعي، في حين أن الفيتكونغ كانوا ببساطة يواصلون نضالهم الوطني، أي الحرب من أجل الاستقلال، الشيوعية استعملت كآيديولوجية، وأعطت الحركة الهدف والاتجاه، يصل محدثي إلى القول: إننا لا نسأل أنفسنا لماذا تقاتل طالبان؟

الاستياء السائد لدى الأفغان أن العالم تخلى عنهم بعدما ساعدهم على هزم القوات الروسية، وعندما أطلقت باكستان مقاتلي طالبان من مخيمات اللاجئين الأفغان لديها، كانت القوى الأفغانية المتصارعة في الداخل تمزق تلك البلاد، وكانت الفوضى تعم أرجاءها.

طالبان هم من الباشتون، وبعض هؤلاء يعتقد أن من واجب المسلمين كلهم مساعدة إخوانهم في مواجهة الكفرة والاستعمار، وهذا يقربهم من حلفائهم «القاعدة»، لكن هذا المفهوم لا يجب إسباغه على كل الباشتون، وبالتالي على كل طالبان، وكون الغرب يصر على التمسك برؤيته بهذه الطريقة، يعني هذا أن الأخطاء السابقة تتكرر.

صباح الاثنين الماضي، شنت طالبان هجوما منسقا ضد الكثير من المؤسسات والمباني الحكومية والمصارف والفنادق، هناك سوابق لهذه العمليات، فمنذ عام 2008 تشن طالبان في مثل هذا الشهر، أو الشهر المقبل، عمليات انتحارية داخل كابل، وتكون كل عملية أكبر من التي سبقتها، فيوم الاثنين الماضي كانت الأوسع والأبعد معنى ورسائل.

تزامنت بداية الهجوم الدموي مع قسم اليمين لأعضاء في حكومة الرئيس كرزاي، أما الرسائل التي شاءت طالبان إيصالها في هذا الوقت الحساس سياسيا في كابل، حيث تحاول الحكومة منذ أشهر أن تأخذ شكلها النهائي بعد انتخابات رئاسية شابها الكثير من الشكوك والتزوير والرشاوى، فهي أنها غير معنية بتشكيل حكومات مدنية، ويهمها مضاعفة مشكلات كرزاي، جاءت العمليات والولايات المتحدة تستعد لإرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان، وقد أظهرت طالبان أن الشتاء القارس في أفغانستان لم يعد فترة هدنة تستريح خلالها القوات الأفغانية والأطلسية، كما أنها تريد إظهار أن لها اليد العليا في هذه الحرب.

وكان الرئيس حميد كرزاي قد قال في نهاية الأسبوع الماضي، إنه يتطلع إلى استئناف مفاوضات السلام مع فئة من طالبان، وينوي طرح هذا الاقتراح في مؤتمر أفغانستان الدولي، المزمع عقده الأسبوع المقبل في لندن، في العمليات الأخيرة أوصلت طالبان رسالتها بأن معادلة «فرق تسُد» لن تنجح، وعلى الرغم من أن العمليات لم تسفر عن سقوط العدد الكبير من الضحايا كما كانت ترغب طالبان، فإنها أظهرت في حجمها الكبير (عدد الانتحاريين كان 7)، أن قدراتها تتزايد وأن المفاوضات لن تنجح.

وفي حين تستمر طالبان في تنسيق مواقفها وتوحيدها، يرفض السياسيون للمرة الثانية وزراء اختارهم كرزاي، قد يشير هذا إلى حيوية البرلمان، لكنه يؤكد أن الحكم مختل التوازن، بعد فوز كرزاي في انتخابات الرئاسة، فقد الموالون له من النواب مصداقيتهم، لذلك تشعر الفصائل الأخرى بأن الوقت لصالحها وعليها بالتالي إيصال ممثلين عنها إلى الحكومة.

يرى بعض المراقبين السياسيين أن الرفض المكرر للبرلمان الأفغاني لخيارات كرزاي تعبير عن نيته في التعطيل غير المبرر، لأنه ليس كل من رُفض غير كفء، لكن يمكن تفسير هذا بأنه رفض لكرزاي، لأن لطخة الانتخابات الرئاسية لا تزال موجودة وتصر على البقاء، ويرغب البرلمان الذي تسيطر عليه قوى معادية لكرزاي في إبلاغ الرئيس بأنه رغم «نتائج الانتخابات» يبقى رئيسا غير شرعي، بعض الوزراء المكلفين دفعوا ثمن عدم مصادقة النواب على شرعية رئاسة كرزاي، ورأى بعض النواب أن رفض وزراء يعينهم كرزاي هو وسيلة لإجباره على الاستقالة.

يقول لي محدثي البريطاني: صحيح أنه تعبير غير مباشر عن رفضهم لكرزاي، لكن ليس للأسباب الصحيحة، لا لأنه وشقيقه زوروا الانتخابات، إنما لأنه صار ضعيفا، ويعرف الأفغان جيدا أن الأميركيين يضغطون على كرزاي، ويتطلع كل طرف سياسي في البرلمان إلى حصة في غنائم الحكومة، والبرلمان يتطلع إلى تسوية تنتج حكومة تحالف، أي حكومة مختلة التوازن.

هناك مشكلة «مالية» تهيمن على تشكيل الحكومة في أفغانستان، وهناك حرب قائمة يتم فيها دفع الأموال «الأميركية» لطالبان، فالحكومة هناك مركزية، وفي كابل السلطات بين أيدي الرئيس، وواشنطن والحلف الأطلسي والأمم المتحدة يريدون تعيين ممثلا أعلى لهم في كابل، يشرف على تمرير أموال الدول المانحة، حتى الآن كانت واشنطن متمسكة بتوزيع الأموال، في حين يرى كرزاي أن الدول المانحة يجب أن تعتمد الحكومة طريقا لتنفيذ المشاريع، فالأموال التي تتدفق على أفغانستان بسبب الحرب، دفعت أمراء الحرب والسياسيين، من نواب ووزراء وأقارب، إلى إنشاء شركات، خصوصا للنقل والحماية، هي تتولى عقد الصفقات مع الجيش الأميركي، وفي الوقت نفسه تعقد صفقات مع طالبان، يقبضون الملايين لتأمين الحماية لقوافل الجيش الأميركي، التي تصل إلى المناطق مثل قندهار، وتصطدم بهجمات طالبان.

الأطراف السياسية كلها في أفغانستان موالية للرئيس أو معارضة له، موالية للوجود الأميركي أو معارضة له، تذوقت «كرم» واشنطن المالي، الذي قلب حياتها رأسا على عقب، والصراع الآن على تقاسم الغنائم وعدم خسارة «ما صار ملكهم».

البريطانيون منذ البداية لم يكونوا مرتاحين لكرزاي وحكمه، لكن إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش كانت متمسكة به.

الآن تضغط إدارة الرئيس أوباما على كرزاي، الذي كان متعاونا ومرحبا جدا بالأميركيين في السابق، إلى درجة أن عباءته الخضراء صارت تعتبر من الأزياء الأنيقة في صحف الموضة الأميركية، لكن، طالما أن الوسائل والأساليب لم تتغير، فإن رئيسا آخر قد يأتي محل كرزاي، لكنه حتما سينتهي، مع فريقه والمقربين منه، إلى ما انتهى إليه كرزاي، لأنه سوف يرفض الهيمنة المالية الأميركية، ويريد تقنينها عبر إدارته للاستفادة منها.

المعركة المقبلة ستكون حول إجراء الانتخابات البرلمانية، كرزاي يتطلع إلى إجرائها في موعدها المحدد في شهر مايو (أيار) المقبل، علّه ينجح في الإتيان بموالين له، من ناحيتهم يتخوف الأميركيون من هذه الانتخابات التي قد تعكس تسلل تأثير طالبان إلى المزاج الشعبي ضد الاحتلال الأجنبي.

مرحلة تناقضات مقبلة تنتظر كابل، وفي هذه الأثناء، تستمر طالبان في مراقبة الصراع السياسي بين واشنطن وسياسيي كابل، كرزاي يبقى من الباشتون، لكنه صار ضعيفا، وفي الوقت نفسه، فإن الأفغان لا يحترمون الأجنبي الذي لا يحافظ على صداقاته.

يقول أحد المراقبين السياسيين الآسيويين، إن استقرار المنطقة يتطلب سياسة أميركية جديدة، ويتطلب زيارة لكابل من الرئيس أوباما.