«معذرة».. لا تزال الكلمة الأصعب على لسان وول ستريت

TT

لا يزال ليود بلانكفين رئيس بنك غولدمان ساش غير مدرك للأمر بعد. رغم ارتفاع معدل البطالة إلى 10% ومعاناة الأميركيين بسبب الانهيار الاقتصادي الذي أسهم فيه هو وزملاؤه، إلا أن المؤسسة التي يديرها بلانكفين، التي أنقذت بكرم بالغ من أموال دافعي الضرائب عادت إلى أساليبها الجشعة المعهودة التي مارستها في السابق.

وخلال الأسبوع المقبل سيعلن غولدمان ساش عن مكافآته لعام 2009 فخلال الشهور التسعة الأولى أعلن أنه جهز ما يقرب من 17 مليار دولار كتعويضات للمديرين التنفيذيين، وهو ما يقارب المكافآت التي منحت لهم عام 2007، حيث حصل بلانكفين على رقم قياسي بلغ 68 مليون دولار في الوقت الذي كانت تقوم فيه شركته بقيادة البلاد إلى شفير الهاوية الاقتصادية.

وكان واضحا أن الهدف من استدعاء بلانكفين إلى واشنطن للشهادة أمام لجنة الاستجواب الخاصة بالأزمة المالية الفيدرالية، إجباره على الاعتذار.

وقد سأله فيل أنغليدس رئيس اللجنة ومدير الخزانة في ولاية كاليفورنيا الأسبق: «هل تنظر إلى بعض أساليب التمويل السابقة على أنها كانت غير مسؤولة أو خاطئة؟».

رد بلانكفين: «أعتقد أننا كنا نتعامل بحسب السياق الذي كنا نوجد فيه».

أشار أنغليدس إلى أن آخرين نظروا إلى أن سلوك «غولدمان» - حيث باعت الشركة سندات الرهن العقاري لعملائها ومن ثم المراهنة ضد الأوراق المالية نفسها - كان «أكثر الممارسات سخرية». وتبدو لي أشبه ببيع السيارة بفرامل معيبة ومن ثم شراء بوليصة تأمين على مشتري تلك السيارات». لكن بلانكفين رد عليه بالقول بأن هذا هو ما كانت عليه السوق.

رد أنغليدس بغضب: «أنا أعلم حالة السوق»، وحاول مرة أخرى إجبار بلانكفين على الاعتراف بأنهم «بالغوا في المجازفة».

لكن بلانكفين رد بالقول: «حسنا إذا كان الأمر كذلك، فكيف تنظر في مجازفة الإعصار؟»

ورد أنغليدس بالقول: «ما حدث لم يكن من أعمال الله، بل من صنع البشر».

لكن بلانكفين يبدو أنه يستثني نفسه من أعمال البشر. فخلال الشهر الماضي ألغى اجتماعا مع الرئيس أوباما في البيت الأبيض لأن طائرته تأخرت عن موعدها بسبب الضباب في نيويورك وكان من الواضح أنه لم يرغب في السفر في وقت سابق قبيل موعد الاجتماع.

عندما انهارت وول ستريت قبل 16 شهرا، استفادت «غولدمان» من أشكال متعددة من برنامج الإعانات الحكومي: حيث حصلت على 10 مليارات دولار من برنامج إغاثة الأصول المتعثرة ومزيدا من المليارات التي دفعت لها كجزء من خطة إنقاذ «إيه آي جي»، وأكثر من ذلك بكثير في شكل برامج الإقراض الحكومية الفيدرالية. كما سمحت «غولدمان» لتحويل نفسها إلى شركة مصرفية قابضة، للحصول على المزيد من الدعم الفيدرالي الذي يسمح للشركة بتجنب مصير «ليمان براذرز». ولولا دعم الحكومة الفيدرالية للاقتصاد في وول ستريت، لكانت «غولدمان» قد أفلست كغالبية الشركات. ولكن بلانكفين تصرف أثناء جلسة استماع مجلس النواب يوم الأربعاء، كما لو أنه أحد المشاهدين أثناء الأزمة لا أحد صانعيها. وذهب إلى أن: «السمات الأساسية لاستراتيجيتنا وثقافتنا وعملياتنا تم الإقرار بصحتها» خلال الأزمة. وكان كمن يشيد نفسه خلال شهادته على الدور الذي لعبته شركته خلال الأزمة فقال: «لقد بذلنا جهدا كبيرا في عملياتنا التي نعتقد أنها كانت قوية.. كان لدينا سيولة هائلة.. ونحن لم نتوقع مطلقا المساعدة الحكومية.. ونحن نقوم بوظيفة جيدة».

وطلب أنغليدس من بلانكفين أن يُضمّن في شهادته العام الماضي أنه وشركته اشتركا في الأمور التي كانت خاطئة على نحو واضح «ومن ثم فلدينا من الأسباب ما يكفي للاعتذار والندم على هذه الممارسات».

لكن بلانكفين لم يكن مستعدا للتطرق إلى الأمر وأقر بأن شركته «تعاملت وفق مقتضيات السوق».

أظهر المدير التنفيذي على مدار الجلسة استخفافا بأعضاء اللجنة، فكان يبتسم عندما يتحدثون وكان ينقض أسئلتهم ويقدم محاضرات بين الحين والآخر مبتدءا بالقول: «اسمحوا لي أن أوضح»، كما كان يجيب على أسئلة من إلقائه هو.

وما إن قالت المفوضة هيذر مورين بأنه لا يبدو وكأن تقييمات «غولدمان» عند منح الأصول كانت تجابه بالكثير من الاعتراض.

رد بلانكفين بالقول: «عذرا سيدتي، هناك الكثير من الاعتراض في مؤسستنا». وتساءلت مورين كيف يمكن أن ينعكس الوضع المزري للاقتصاد في راتبه. أجابها بلانكفين بأن الشركة لم تعلن عن التعويضات بعد.

استمرت الأسئلة والأجوبة بنفس الأسلوب ما يقرب من ساعتين وفي النهاية لم يتأثر رئيس اللجنة بما قاله رئيس «غولدمان».

وقال أنغليدس: «إنني منزعج من عدم قدرتك على قبول احتمالية أو ربما من المؤكد بأن شركتك لم تكن لتتمكن من تجاوز العاصفة المالية دون المساعدات الفيدرالية الضخمة. كنتم تعملون على توريق واكتتاب صفقات الرهن العقاري وعندما تبين لكم أن السوق تتجه نحو الأسوأ استمررتم في بيع المنتج».

ورد بلانكفين: «أنا أعلم أن بعض الأقاويل أشارت إلى أننا كنا نتوقع ما حدث، لكننا لم نعلم في أي لحظة ما الذي يخفيه المستقبل». ولعل ذلك هو السبب في أنهم يدفعون له 68 مليون دولار في العام.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»