أكثر من مجرد مناسبة

TT

المؤتمرات والمنتديات والندوات وورش العمل تحولت من مناسبات خاصة إلى صناعة متكاملة لها نجوم ومعايير ووسائل تسويق وطرق جذب، ومن خلال ذلك باتت لبعضها علامة فارقة وقيمة مضافة تمكنها من أن تصنف كمناسبات من الدرجة الأولى أو أقل من ذلك بحسب المتبع. واليوم يرى المتابع أن السعودية أصبحت نقطة جذب قوية للمؤتمرات المتخصصة والعامة التي يحضر فيها نخبة من المتحدثين من دول مختلفة ومجالات متشعبة حتى أصبحت هذه المناسبات قائمة على مدار السنة وبنسب حضور ممتازة. ولعل إحدى علامات التغيير الكبير الحاصل في السعودية هو ما حصل لهذه المناسبات من تطور نوعي وكمي وعددي، وبالتالي في درجة القبول العام لها والتأقلم معها بصورة طبيعية. الكل ما زال يتذكر الجدل الذي كان يثار كلما انعقد منتدى جدة الاقتصادي الذي كان سباقا في استقدام متحدثين عالميين من النخب الأولى، وإثارة مواضيع ذات بعد دولي مميز ودعوة الحضور والمتحدثين من الجنسين وتقديم المناسبة في صورة عصرية لافتة، وما صاحب كل ذلك من صخب وحوار واحتجاج واعتراض.

واليوم يبدو منتدى جدة ودوراته السابقة مسألة أقل من عادية ويبدو أيضا أن نسبة قبول العامة لهذه النوعية من المناسبات باتت مسألة طبيعية وبات بالتالي طرح المواضيع الشائكة وحضور المتحدثين السياسيين والاقتصاديين واعتلاء المرأة للمنصة الرئيسية؛ سواء أكانت المتحدثة سعودية أو عربية أو غربية أو آسيوية في حضور السيدات والرجال مسألة اعتيادية للغاية؛ سواء أكان مؤتمرا طبيا أو اقتصاديا أو تعليميا أو غير ذلك.

قدرة المجتمعات على قبول التغيير والتأقلم مع المختلف والغريب مرتبطة بتكرار الحدث حتى يصبح جزءا من التركيبة الحياتية للعامة. كان هذا التحدي قائما في يوم من الأيام حينما طرحت مسألة تعليم البنات، وكذلك الأمر حين تم طرح مسألة البث التلفزيوني ومن بعد ذلك كان موضوع ضم تعليم البنات إلى وزارة التعليم كجهة موحدة، وبعدها كانت مسألة تطوير وإصلاح السلك القضائي، وأخيرا موضوع الاختلاط بصورة عامة. المؤتمرات وسيلة جذب وترويج للأفكار وللمبادرات وتنمية التواصل الاقتصادي وتطوير للمناخ الإبداعي طالما وفرت له عناصر النجاح من قاعات وفنادق وتأشيرات وتسهيلات وأسعار منافسة ورعاة داعمين وتمويل ملائم.

كل ذلك وغيره من شأنه أن يجعل لهذه المناسبات نقاط جذب فائقة الفعالية والجدارة وبإمكانها أن تكون منصة انطلاق ملائمة للكثير من المشاريع والأفكار، وبالتالي الاستثمار والتوظيف بدلا من إبقائها على أنها واجهات عرض ترويجية يقضي فيها الناس يومين أو ثلاثة للحديث والتلاقي ومن ثم الافتراق.

وهذا بحد ذاته هو الذي يظهر الفارق الجوهري بين المناسبة العادية والاستثنائية. هناك نماذج ناجحة مثل بريطانيا وألمانيا وأميركا وسنغافورة والهند والصين الذين حولوا مناسباتهم إلى عناصر جذب مالية وثقافية ومعلوماتية بامتياز أضافت لدولهم الكثير بصورة واضحة وقابلة للقياس وهذا نجاح لا يمكن إنكاره.

[email protected]