المأزق اليمني بين القضاء على خلايا «القاعدة» أو التدخل الأميركي

TT

يعقد هذا الأسبوع في لندن مؤتمران، الأول حول اليمن، والثاني حول أفغانستان. مشكلات الدولتين مع «القاعدة» تكاد تتشابه. وإذا كانت الولايات المتحدة تبحث «استراتيجية الخروج» من أفغانستان، قد يكون من الأفضل ألا تدعو بعد خمس أو ست سنوات لمؤتمر دولي لبحث «استراتيجية الخروج» من اليمن.

الأسبوع الماضي، دعا رئيس لجنة العلاقات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي كارل ليفين، بلاده إلى استعمال الطائرات من دون طيار، وشن غارات جوية، والقيام بعمليات سرية ضد الأخطار الثابتة لمتطرفي «القاعدة» في اليمن.

القلق الدولي حول قدرة الحكومة اليمنية على مواجهة سلسلة من المشكلات المسلحة، تتراوح ما بين التمرد الحوثي في الشمال، وعمليات «القاعدة» في الجنوب والدعوة إلى الانفصال، تضاعف إثر محاولة الطالب النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب تفجير طائرة أميركية فوق مدينة ديترويت يوم عيد الميلاد. إن قرب اليمن من مصادر النفط، والتدخل الإيراني فيها، إضافة إلى عدة عوامل جيو - سياسية وإنسانية تدفع إلى مقارنتها بأفغانستان. ذلك أن القوى السياسية التي جذبت «القاعدة» إلى أفغانستان متوفرة في اليمن. ضعف الحكومة في صنعاء يعني أنها لا تسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد. عدد كبير من القبائل لا تعنيها حالة الحكومة المركزية، في وقت تناصب قبائل أخرى الحكومة العداء وتتجه نحو الانفصال أو الحرب الأهلية.

كثير من زعماء القبائل توصلوا إلى اتفاقيات مع قادة «القاعدة» في اليمن، تماما كما فعلت طالبان مع قبائل البشتون في جنوب وشرق أفغانستان.

تجدر الإشارة هنا إلى أن «القاعدة» صارت لاعبا صغيرا في التمرد على طول الحدود الأفغانية - الباكستانية، حيث إن زعيمها أسامة بن لادن ومن بقي من رفاقه متخفون منذ عام 2001. لكن «القاعدة» كتنظيم هناك، صارت أصغر من طالبان أفغانستان، ومن «تحريكي طالبان» ومن «حزبي إسلامي» وربما أصغر من شبكة «حقاني». كل هذه المجموعات اعتمدت في السابق على «القاعدة»، لكن مع السنين تحولت إلى مجموعات مستقلة لها مصادرها المالية، ولها أسلوبها في القتال والعمليات العسكرية.

وكان مقاتلو طالبان أصدروا، أخيرا، بيانات ينأون بأنفسهم عن «المقاتلين الأجانب». ففي النهاية، كانت «القاعدة» هي السبب في إطاحة طالبان عن السلطة عام 2001. وحسب المراقبين الآسيويين، ترى طالبان في «القاعدة» ورقة مساومة مهمة في المحادثات السرية التي بدأت بينهم وبين أطراف إقليمية ودولية. قيادة «القاعدة» تعرف أنها لا تستطيع مغادرة معاقلها في وزيرستان وبلوشستان، ومهما بلغت المفاوضات مع طالبان، فإنهم لن يسلموها، لكن بقية المقاتلين تحركوا إلى «مسارح» أخرى تجنبا للخيانة، والدسيسة هناك. وقد جاءت رسالة بن لادن الأخيرة التي بثتها فضائية «الجزيرة» القطرية، كإشارة إلى أنه صار يعتمد على خطط جماعته في اليمن، وكأنه أبلغ من يهمه الأمر، بأن العمليات العسكرية المدعومة من الغرب نجحت في إبعاد عناصر «القاعدة» من العراق وأفغانستان، لكنها لم تقض عليهم، هم استطاعوا الهرب ووجدوا ملاذات آمنة وقواعد جديدة لهم في اليمن.

حسب مصادر عليمة، فان المتشددين من إرهابيي «القاعدة» في اليمن، وأغلبيتهم من غير اليمنيين، لا يتجاوز عددهم المائتين، لكن هناك انضم إليهم حوالي ألفي يمني من المقاتلين الأشداء الذين قاتلوا في العراق ضد الأميركيين.

مصدر أميركي مطلع، قال لي، إن هناك عدة أسباب، تُبحث في دوائر أميركية، حول «ضرورة» توفير وجود أميركي في اليمن. ليس فقط بسبب محاولة «ديترويت»، بل أيضا بسبب ما أقدم عليه المايجور نضال حسن الذي قتل 13 جنديا في قاعدة «فورت هود». فهذا ارتبط بعلاقة قوية مع الشيخ اليمني أنور العولقي، كذلك محاولة اغتيال الرسام الدنماركي أخيرا على يدي أحد الصوماليين الذين تبين أنه هو الآخر تدرب في اليمن. ويضيف محدثي: هناك أيضا، قرب اليمن من حقول النفط وخطوط الملاحة، ثم إن إيران تدعم تمرد الحوثيين الذي يمتد على طول الحدود اليمنية - السعودية، ويهدد بزعزعة استقرار الشرق الأوسط من لبنان إلى العراق وبالذات استقرار الدول المنتجة للنفط.

وكان عبد الملك الحوثي زعيم «الحركة الحوثية« قال إنه سيسحب مقاتليه من الأراضي السعودية (يوم الاثنين الماضي)، لكنه لم يشر إلى وقف لإطلاق النار، لا، بل هدد بـ«حرب مفتوحة» مع السعودية «إذا ما استمرت تقصف معاقل الحوثيين».

منذ صيف العام الماضي وإيران تدعم بقوة الحوثيين، لهذا يجب مراقبة رد فعلها على دعوة عبد الملك الحوثي، خصوصا إذا ما تطورت إلى «وقف لإطلاق النار».

بفتحها جبهة عبر اليمن، كانت إيران توجه الرسائل إلى الولايات المتحدة والسعودية، بأن لديها القدرة على زعزعة أمن السعودية إذا ما استفزت حول برنامجها النووي، ولما لم تجد تراجعا من واشنطن، لا، بل وجدت تحديا من السعودية ومواجهة، بدأت تدعم شرائح من «قاعدة الجزيرة العربية». (أشار إلى ذلك الأمير خالد بن سلطان). وحسب مصدر غربي مطلع، فان إيران «تفضل أن يبقى التمرد الحوثي مشتعلا لتواصل الضغوط على السعودية، كذلك ليس واضحا ما إذا كانت دعوة عبد الملك الحوثي جدية - لا سيما أنه ترك الباب مفتوحا للتراجع - خصوصا إذا كانت المصالح الإيرانية على المحك».

عدد من المسؤولين الأميركيين يرى اليمن في وضع سياسي بائس، ووضع اقتصادي سيئ جدا. عائداتها النفطية تتناقص، رغم أنها لم تكن في الأصل قوية، دولة غير قادرة على تأمين الخدمات، تعتبر واحدة من أفقر الدول، أكثر من 40% من سكانها عاطلون عن العمل، وقد ازداد فقرهم فقرا بسبب البرنامج الاقتصادي الذي فرضه على اليمن صندوق النقد الدولي بدعم من الولايات المتحدة. كل هذه «المصائب» قد تثير حماسة المنظمات الإنسانية الأميركية وتدفع بطريقة ما إلى التشجيع على التدخل، وهنا يكمن الخطر. إن المجتمع اليمني من أكثر المجتمعات تعقيدا، وأي رد فعل مبالغ فيه من قبل الولايات المتحدة، خصوصا إذا تضمن شقا عسكريا، قد يكون كارثيا. وإرسال قوات أميركية أو شن غارات عبر صواريخ موجهة سيدفع إلى تقوية العناصر الأكثر تطرفا في «القاعدة». هناك تقليد يمني يعرفه القاصي والداني، وهو ميل القبائل إلى نوع من الحكم الذاتي، وتعرف هذه القبائل كيف تستفيد من علاقات تقيمها، وهي تحدد مداها وتحسم في إنهائها.

الرئيس علي عبد الله صالح يعرف هذا الأمر جيدا. ودفع ثمن اعتقاده بأنه صار قادرا على التحكم بكل القبائل، بعدما ضخ عليها كثيرا من المغريات، هذه المغريات عندما جفت، دفعت القبائل إلى «بتر» العلاقة بينها وبين علي عبد الله صالح. هذه العادات المترسخة لا تتغير عبر برنامج، تعتقد الإدارة الأميركية أنها قادرة على فرضه، ومعه تغيير عادات، عجزت عن تغييرها حتى السلطنة العثمانية.

وصلت الآن الحكومة اليمنية إلى حائط مسدود، إذا لم تضرب بيد من حديد خلايا الإرهاب التي نجحت «القاعدة» في تشكيلها، تعرف أن التدخل العسكري الأميركي قد يؤدي إلى مقاومة مسلحة على أوسع نطاق. وإذا تدخلت بكل قوتها، فإنها تخاطر بثورة قبلية ضدها وقلاقل، واتهامها بأنها تضرب أبناء اليمن بطلب من «القوى الغربية الإمبريالية»، أي من المحاولتين سيدفع إلى زيادة دعم العناصر المتطرفة التي تريد واشنطن وصنعاء تدميرها.

إن الفوضى حالة قائمة في اليمن منذ عشرات السنين، وولاء القبائل يتحول إلى عداوات أو العكس، عدد كبير من هذه القبائل في حالة حرب دائمة مع الحكومة.

من المؤكد أن «القاعدة» في اليمن صارت تمثل خطرا حقيقيا، لكن أي عمل عسكري تقوم به القوات المسلحة اليمنية يجب أن يستهدف فقط الخلايا الخطيرة جدا، ثم إن على الولايات المتحدة ودول المنطقة التي ترغب كلها في إنقاذ اليمن، أن تضغط على الحكومة كي تكون أكثر ديمقراطية، وأقل فسادا، كي تكسب تعاطف اليمنيين وتنجح في القضاء على العناصر الإرهابية، وإلا فإن اليمن في الفساد والفوضى الدموية سائر على خطى العراق وأفغانستان.