السبيل أمام أوباما لإثناء إيران عن مسارها الراهن الخطير

TT

يحظى الرئيس الأميركي باراك أوباما حاليا وعلى امتداد الأشهر القليلة المقبلة بفرصة لجعل هذا العالم أكثر أمنا لا يجود بها الزمان سوى مرة واحدة كل جيل. ولا تتمثل هذه الفرصة في التفاوض مع الروس حول اتفاق بشأن الحد من الأسلحة، أو تعزيز معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، أو إقرار اتفاق للتصدي للتغييرات المناخية مع الصين، رغم أهمية مثل هذه المبادرات السابقة. وإنما تكمن الفرصة الراهنة في مساعدة الشعب الإيراني على تحقيق نمط جديد من الحكم. بالنظر إلى الدور الذي اضطلعت به المؤسسة الدينية الإسلامية الحاكمة في طهران في قيادة ورعاية التعصب المناهض للديمقراطية ولليبرالية وللغرب على مدار العقود الثلاثة الماضية، فإن إسقاط أو حتى إقرار إصلاح كبير في ذلك النظام سيأتي في مرتبة فائقة الأهمية لا يتجاوزها سوى انهيار الاتحاد السوفياتي من حيث تداعياتها الآيديولوجية والجيوسياسية.

وعليكم أن تتخيلوا إيران المتميزة بشعب متعلم ومبتكر وعلى درجة كبيرة من الثقافة وقد واتتها فرصة الازدهار والاندماج الكامل في الاقتصاد والمجتمع الدوليين. وتخيلوا معي التأثير الذي سيخلفه صعود إيران حديثة مزدهرة تعقد انتخابات بانتظام، انتخابات حرة ونزيهة بوجه عام. لقد كان أولئك الذين دعوا منذ فترة بعيدة لعقد «صفقة كبرى» مع إيران على صواب في حديثهم عن الفوائد العالمية الهائلة التي ستترتب على دمج إيران في النظام الدولي. بيد أن خطأهم الأكبر تركز في الاعتقاد بأن مثل هذه الصفقة يمكن إبرامها مع قيادات جاهلة تكن عداء شديدا للغرب.

في الواقع، إن تغيير النظام يحمل أهمية أكبر من أي اتفاق يمكن لإدارة أوباما التوصل إليه مع الحكومة الإيرانية الحالية بشأن برنامجها النووي، فحتى إذا قبلت طهران العرض الذي قدم إليها العام الماضي بتصدير بعض من اليورانيوم منخفض التخصيب الخاص بها، فإن هذا لن يعدو كونه خطوة متواضعة على طريق طويل تحفه الشكوك. ولا يستحق مثل هذا التنازل الصغير التخلي عن فكرة الضغط من أجل تحقيق تغيير النظام في إيران.

أيضا، سيكون من المأساوي أن تدمر إسرائيل احتمالية تحقيق تغيير النظام عبر شن ضربة جوية ضد المنشآت النووية الإيرانية خلال العام القادم، حيث إن ذلك من شأنه توفير دفعة هائلة للنظام الإيراني في ذات اللحظة التي يواجه فيها مصاعب جمة.. ولماذا تقدم إسرائيل على هذا؟ من أجل إمكانية مشكوك فيها تدور حول إعاقة البرنامج النووي الإيراني وتعطيله لعامين؟

في الحقيقة، يشكل تغيير النظام في طهران السياسة المثلى لوقف الانتشار النووي. حتى إذا رفضت الحكومة الإيرانية التالية التخلي عن برنامج الأسلحة النووية، فإن حاجتها إلى المساعدات الاقتصادية الغربية ورغبتها في إعادة الاندماج في الاقتصاد والنظام العالميين سيجبرها على الأقل على الإبطاء من وتيرة السعي المحموم الراهن للانتهاء من صنع أسلحة نووية، وستبدي انفتاحا أكبر على النقاش السياسي. وربما تقدم الحكومة الجديدة على تجميد العمل في البرنامج لبعض الوقت، أو التخلي عنه كلية، وهو أمر سبق وأن أقدمت عليه دول أخرى. في كل الأحوال، يبقى وجود إيران لا تخضع لإدارة عناصر راديكالية يتبعون رؤى عالمية كبرى سيناريو أقل إثارة للخوف من تلك القائمة حاليا، حتى وإن امتلكت إيران الجديدة سلاحا نوويا. ويدور هذا الرأي حول وجهة نظر براغماتية. والتساؤل المطروح الآن: ما هو الاحتمال الأكبر؛ أن توافق القيادة الإيرانية الراهنة على التخلي عن برنامجها النووي أم أن تتم الإطاحة بهذه القيادة؟ منذ عام مضى، كانت الإجابة واضحة، حيث لم تكن هناك مؤشرات توحي بأن الشعب الإيراني سينهض قط ويطالب بالتغيير، بغض النظر عما تفعله الولايات المتحدة ودول ديمقراطية أخرى لمساعدته. وإذا بدت احتمالات التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني ضئيلة وقتذاك، فإن احتمالات تغيير النظام كانت أقل. بيد أن مثل هذه الاحتمالات تبدلت منذ 12 يونيو (حزيران). والآن، تبدو احتمالات تغيير النظام أكبر من إمكانات موافقة النظام الراهن على التخلي عن برنامجه النووي. مع وجود عقوبات أشد وتوافر تأييد معلن من جانب أوباما وقادة غربيين آخرين وبرامج لتوفير معلومات واتصالات أفضل بالإصلاحيين، قد تكون احتمالات تغيير النظام الإيراني أفضل من أي وقت آخر.

ومثلما أشار ريتشارد هاس مؤخرا، فإنه «حتى أصحاب الفكر الواقعي عليهم الاعتراف بأن هذه فرصة لا ينبغي إهدارها». لكن هل يعي أوباما توافر هذه الفرصة؟ حتى الآن، اتسمت الإدارة بالبطء في إحداث تحول في نمط استجابتها للأحداث داخل إيران، حيث مضت الإدارة قدما وكأن التوترات السياسية الجارية في إيران لا تتسم سوى بأهمية هامشية. ولا تزال الإدارة تعتبر أن الجائزة الكبرى تكمن في التوصل إلى اتفاق ما مع طهران. في الحقيقة، اهتمام الرئيس بالتزام الحرص لدرجة مفرطة، حتى في الوقت الذي تطلب منه القيادات الإيرانية المعارضة الوقوف إلى جانبها، ويدعو خبراء إيرانيون أمثال كريم سادجابور وراي تكية إلى بذل جهود أكثر نشاطا لصالح الإصلاحيين الإيرانيين، لم يقل أوباما ولم يفعل سوى القليل للغاية. وعليه، فإن الرئيس بحاجة لإدراك أن ما نشهده حاليا لحظة حاسمة تدعو للتحرك، وأنها لن تدوم طويلا. إن القادة الإيرانيين يسارعون للحصول على سلاح نووي لأسباب بينها اعتقادهم بأن امتلاكه سيعزز موقفهم على الصعيدين الداخلي والخارجي. وربما هم على صواب في هذا الاعتقاد. إلى جانب ذلك، فإن صبر إسرائيل ليس بلا حدود. وإذا مر وقت طويل للغاية من دون تغيير في إيران، ربما تشعر إسرائيل بأنها مضطرة إلى شن هجوم، بغض النظر عن احتمالات نجاح الضربة وحجم تداعياتها.

أما إذا سقط النظام الإيراني ولعب الرئيس أوباما دورا واضحا في ذلك، فإنه سيضمن بذلك مكانا له في التاريخ كقائد أحدث تحولا هائلا. منذ ثلاثين عاما، انتصرت الثورة الإسلامية الإيرانية بفضل انعدام فاعلية مسؤولي إدارة كارتر، الذين لا يزال يدعو بعضهم حتى اليوم إلى تطبيع العلاقات مع خلفاء آية الله الخميني الوحشيين. واليوم، أمام أوباما فرصة للتغلب على فشلهم الاستراتيجي والآيديولوجي. لكن لا يمكنه الانتظار طويلا قبل الشروع في ذلك.

*زميل بارز في معهد كارنغي

للسلام الدولي.. ويكتب عمودا شهريا في «واشنطن بوست»

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»