السعودية.. إنقاذ أم توريط؟

TT

ليست المرة الأولى التي يطلب فيها الأفغان من السعودية التدخل لإنهاء الصراع في بلادهم، لكن آخر طلب، وأكثره جدية ما قاله الرئيس الأفغاني علناً في مؤتمر لندن الأسبوع الماضي، حيث قال كرزاي إنه يتطلع إلى «دور أساسي» يلعبه خادم الحرمين الشريفين بعملية المصالحة الأفغانية، مضيفاً بعد أن كشف عن رؤيته للمصالحة بأفغانستان «نأمل أن يتلطف جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز بلعب دور في توجيه ومساندة هذه العملية».

والسؤال اليوم هو هل المطلوب من السعودية إنقاذ أفغانستان، أم حفظ ماء الوجه للأميركيين، أم أن المطلوب هو توريط السعودية مجدداً بأفغانستان، بعد تجربة ما كان يسمى بالجهاد ضد الاتحاد السوفياتي، وهو أمر كان له ما يبرره وقتها، مثل ما أن طلب الأفغانيين اليوم للتدخل السعودي يعد أمراً مبرراً، خصوصاً أنه يأتي من الرئيس الأفغاني نفسه، ومن الفرقاء؟ فتجربة أيام الغزو السوفياتي لا تزال حاضرة بذهن السعوديين جيداً، كيف لا والسعودية كانت تساعد أفغانستان، مثل ما أن كابل تطلب المساعدة اليوم، وانتهت الرياض مدانة ملومة، بل وتعرضت لهجوم ظالم من إعلاميين وساسة، سواء عرب أو غربيون. صحيح أنه كانت هناك ملاحظات على الوجود السعودي بأفغانستان أيام الغزو السوفياتي، لكن السعودية لم تكن وحدها هناك، ولم تكن محتلة لأفغانستان!

ولأن لدى البعض ذاكرة قصيرة، أو يحاولون النسيان، فلا بد أن نوضح هنا أن تعليق وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قبل أيام على دعوة أفغانستان للملك عبد الله للوساطة، واصفاً إياها بأنها «إطراء كبير»، هو أنه «ما لم تتخلَّ طالبان عن تأمين ملاذ للإرهابيين وبن لادن والتخلي عن اتصالاتها به، فلا أعتقد أن المحادثات ستكون إيجابية أو حتى ممكنة لتحقيق أي شيء»، إنه موقف سعودي ليس بالجديد، بل هذا هو الموقف السعودي من قبل أحداث 11 سبتمبر في أميركا، وبذل الأمير تركي الفيصل، يوم كان رئيساً للاستخبارات السعودية، جهداً كبيراً لإقناع طالبان بالتخلي عن إيواء بن لادن وغيره، خصوصاً أن السعودية قد سحبت قبلها جنسية بن لادن، وقبل أن يكون الإرهاب البند الرئيسي بكل محفل دولي، بل كان هناك اتفاقية الوفاق الأفغاني، لوقف قتال القبائل الأفغانية في مارس 1993 في مكة المكرمة بدعوة من الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله، وهذا دليل على حرص السعودية على استقرار أفغانستان، وليس نصرة المتطرفين هناك.

وطبيعي أن يعود الأفغان اليوم، بكافة مشاربهم، لطلب دور سعودي، لأن الأفغان لا يقبلون «الأجنبي»، بينما للسعودية مكانة إسلامية، ومصداقية سياسية، تبرر للأفغان الالتقاء والتفاوض مع كرزاي، لكن ما يهمنا اليوم، هو الحذر لكي لا تتورط السعودية من جديد في قضايا أفغانستان، خصوصاً أن الغرب، وتحديداً الأميركيين، قد قرروا بعد أحداث 11 سبتمبر رمي الكرة في ملعب الرياض وكأن لم يكن لهم دور على الإطلاق في أفغانستان من قبل، وكل ما نخشاه أن يعيد التاريخ نفسه، ولو بمعطيات مختلفة.