ربما تستخدم القارة الأوروبية حركة «حفل شاي» أيضا

TT

اسمحوا لي بطرح هذا المقترح، حتى لو كان معناه الدعوة إلى شيء يخالف المألوف بدرجة كبيرة: يحتاج الاقتصاد العالمي إلى حركة «حفل شاي» داخل أوروبا من أجل الدفع إلى تبني سياسة مالية محافظة هناك (ظهرت حركة «حفل شاي» داخل الولايات المتحدة مطلع 2009 احتجاجا على بعض السياسات المالية).

يسخر الكثير من محللي «الاتجاه السائد» من مثيري هذا النوع من الاحتجاج، ويقولون إنها حركة يمينية متطرفة، وفي الكثير من الأشياء نجد أن الحركة تستحق هذا الوصف. وأنا لا أريد أن يتولى هؤلاء إدارة وزارة الخزانة أو المصرف الاحتياطي الفيدرالي (المصرف المركزي الأميركي).

ولكن، يقوم هؤلاء المحافظون الشعبويون بشيء جيد، إذ يصرفون الاهتمام السياسي داخل أميركا إلى قضية تحقيق مسؤولية مالية. ولهم وجهة نظر جيدة على سبيل المثال في قولهم بوجوب إضافة برنامج مخصصات جديد كبير إلى الرعاية الصحية حتى نتوصل إلى طريقة ندفع من خلالها مقابل برنامج المخصصات الموجود لدينا فعلا.

وفي المقابل، تحتاج القارة الأوروبية هذا التحرك المحافظ الفعال الذي يهدف إلى الحد من الإنفاق الحكومي. وعلى ضوء التجربة الأوروبية خلال العقد الماضي المرتبطة بالاتجاه الشعبوي اليميني، يمكن فهم الحذر من التطرف. ولكن، يعني ذلك أن أوروبا في حاجة إلى صوت قوي من أجل تقليل نفقات القطاع العام والدين.

وفي الكثير من النواحي نجد أن القارة الأوروبية عبارة عن أرض اقتصادية في منتهى الروعة، فلديها مصرف مركزي لإدارة سياسية مالية متناسقة، ولديها عملة موحدة، ولكن بها عددا كبيرا من وزراء المالية يسعى كل منهم وراء تطبيق سياسة مالية منفصلة ملخص الكثير منها: الإنفاق ثم الإنفاق ثم الإنفاق. وفي الاصطلاح المالي، تعد أوروبا في الأغلب جواد من دون فارس.

ويقبل المستثمرون مثل هذه المؤسسات المتزعزعة حتى تأتي لحظة يشعرون فيها بالذعر ويرون أن الموقف لا يمكن تحمله. وهذا ما حدث على مدار الأسابيع القليلة الماضية، حيث كانت الأسواق المالية تطلق صيحة قلق جماعية بسبب الدين الأوروبي والفوضى المالية.

وكان مصدر القلق الديون التي على مجموعة من الدول، هي البرتغال وأيرلندا واليونان وإسبانيا، ويضم بعض الاقتصاديين إلى هذه المجموعة دولة أخرى وهي إيطاليا. ولكن، لا تتعدى الديون مجرد جزء من المشكلة، فقد كانت مستويات الديون كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي أعلى خلال العام الماضي في دولة الهند (85 في المائة)، وهذه مستويات أكثر مما هي عليه داخل البرتغال (76 في المائة) أو أيرلندا (61 في المائة) أو إسبانيا (57 في المائة). ولكن، تكمن المشكلة الأكبر في غياب الإرادة السياسية داخل الدول الأوروبية التي تنمو بسرعة أبطأ لتحدي الإنفاق العام ووضع السياسة المالية على مسار مستدام.

وجاءت أفضل التحليلات التي رأيتها تتناول عدم الاتزان المالي العالمي من ميرفين كينغ، حاكم بنك إنجلترا (البنك المركزي في المملكة المتحدة). وربما أكون متحيزا نوعا ما (حيث إنه درَّس لي الاقتصاد في الجامعة)، ولكني أعتقد أن كينغ المسؤول الأكثر حكمة داخل المصارف المركزية حولنا. وسوف أثني خاصة على خطاب أدلى به في 19 يناير (كانون الثاني)، وموجود على الموقع الإلكتروني لبنك إنجلترا.

لقد أظهر كينغ المشكلة الأساسية من خلال لعبة صغيرة وصفها بـ«سودوكو الاقتصاديين»، وهي عبارة عن رسم بياني بسيط من تسعة مربعات يلخص التفاعل بين الدول ذات المدخرات الكبيرة (الصين والكثير من الدول الآسيوية الأخرى) والدول ذات المدخرات القليلة (أميركا وأوروبا). وفي توصيف كينغ نجد أن الطلب الإجمالي (أو الناتج المحلي الإجمالي) هو مجموع الطلب الداخلي والتجارة الصافية. ويكون لأرقام لعبة السودوكو معنى إذا كانت الفوائض الضخمة للدول ذات المدخرات الكبيرة تتناسب مع عجز الدول ذات المدخرات القليلة، ولكن كما نرى فإن هذا مزيج غير مستدام. ويعود النظام غير المتوازن إلى انتكاسة في عامي 2008 و2009.

ويقول كينغ إن الفوائض الآسيوية «أكبر من أن تستمر» ولكنه يحذر «تظهر لعبة السودوكو بالنسبة للاقتصاديين أن هناك مشكلة فنية وليست سياسية» ويجب على الدول ذات المدخرات المنخفضة «تقليل صافي الاقتراض من الخارج» والتوقف عن لعب «دور مستهلك الملاذ الأخير». وعليه، كيف يمكن أن يحدث هذا التعديل السياسي؟ يعيدنا ذلك إلى حركة «حفل شاي». يعني نجاح محافظين ماليين في السباقات السياسية الأخيرة داخل فيرجينيا ونيوجيرسي وماساشوستس أنه يجب على الساسة الأميركيين صرف اهتمام أكبر بقضايا العجز والديون من أجل البقاء. ويبدو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يعترف بقوة هذه القضية بين الناخبين، على ضوء تعهده بتشكيل لجنة للتعامل مع مشكلات إنفاق المخصصات على المدى الطويل.

ولكني، لا أجد ضغطا سياسيا مشابها داخل أوروبا، فالقادة الأوروبيون في معظم الوقت يحاولون بجد تجنب يوم حساب سياسي. ويبدو أن عددا قليلا من الأوروبيين، سياسيين أو محافظين، مستعدون للتخلي عن نصيبهم في حزمة المخصصات التي تعد جزءا من المركب الديمقراطي الاجتماعي المعاصر.

وفي الواقع، لا أتمنى حركة «حفل شاي» ضد أي أحد، ولكن يمكن أن يستخدم الأوروبيون جزءا من قوتها الشعورية المرتبطة بالمسؤولية المالية. وفي الوقت الذي ندرس فيه أفكارا محافظة، ما هو حال حركة «المستهلك البارع» داخل الدول الآسيوية ذات المدخرات الكبيرة من أجل الدفع لإنفاق داخلي أكبر هناك؟

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»