لهذه الأسباب كُسر التمرد الحوثي

TT

ما من شك في وجود مشكلات قادت إلى حروب عدة في اليمن. بيد أن المشكلات الأخيرة لم تكن خارج إمكانية العلاج دون اللجوء إلى السلاح، لولا التعويل الخاطئ على مواقف الخارج. وقد وُضعت القيادة اليمنية على المحك بمواجهة ثلاثة تهديدات خطيرة. ففي الجنوب تمكن الحراك من تثبيت نسبة كبيرة من قوى الأمن والقوات المسلحة، وفي الشمال فجر الحوثيون صراعا عنيفا بعد تحضيرات كبيرة استندت إلى إمدادات غير عادية. وظهور نشاطات وتجمعات لتنظيم القاعدة. يضاف إلى هذه التهديدات عاملان مؤثران هما ضعف موارد الدولة المادية ومحدودية القدرات العسكرية.

وما حدث منذ أغسطس (آب) الماضي كان أكثر خطورة من مراحل مرت بها قيادة الرئيس علي عبد الله الصالح. مع ذلك، أسفرت عمليات المجابهة عن خضوع الحوثيين لشروط وقف الحرب لأسباب كثيرة، أهمها: قدرة القيادة اليمنية على التماسك، وإظهار القوات المسلحة إرادة قوية على حسم الموقف، وعدم تسجيل حالات تلكؤ، وبقاء القيادة العسكرية على ولائها للدولة والنظام. قابلتها عزلة داخلية لقوة التمرد بسبب عبثية القتال وظهور معلومات عن ارتباطات مع نظام إيران.

وخلال الشهرين الأخيرين ظهرت علامات تطور لافت في القدرات القتالية اليمنية لم تلاحظ من قبل، خصوصا في مجالات التتبع والرصد والضربات الجوية وكثافة النيران.

ومن أكثر العوامل التي أدت إلى كسر شوكة الحوثيين قرارهم بالتجاوز على حدود المملكة العربية السعودية، وما ترتب عليه من رد فعل عسكري سعودي حقق مفاجأة، ليس للحوثيين فقط، بل للمراقبين والمحللين وربما أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية. فالتجاوز على السعودية أوجد ظروفا مثالية للتعاون والتنسيق بين الرياض وصنعاء. وخلافا لكل ما قيل عن تباطؤ رد الفعل السعودي، فقد أدت قوات مشتركة من الجيش وحرس الحدود والطيران مهمة حيوية على جبهة واسعة وفي أراض تساعد على إدارة حرب عصابات طويلة الأمد فعلا، خلال فترة زمنية قصيرة، قياسا بعمليات مماثلة حدثت في مناطق أخرى من العالم. وتعود أسباب النجاح إلى القرار السريع بالتدخل العسكري ردا على تجاوز المتمردين، وتكليف الأمير خالد بن سلطان بمهمة قيادة العمليات وعدم تركها لقيادات ميدانية، حيث كان لوجوده في المواقع الأمامية تأثير معنوي كبير، ومفاجأة المتمردين بكثافة النيران، ودقة الإصابة التي تتميز بها الأسلحة والمعدات الحديثة المجهزة بها القوات السعودية، ونجاح الاستخبارات في توجيه حركة المعلومات على جبهة واسعة إلى حد جعل ساحة العمليات مكشوفة على شاشات هيئات الركن، وهي قدرات غير متاحة لليمنيين.

والدرس الذي تلقته قيادة التمرد الحوثي من رد الفعل السعودي يفرض منع تكرار الخطأ الاستراتيجي، الذي يمكن وصفه بالكارثي. لكن الافتراض لا يكفي وحده بقدر ما ينبغي توفير الظروف اللازمة لمنع تكرار القرارات المُهلكة.

وسجلت النشاطات البحرية بمراقبة السواحل اليمنية دورا مهما في وقف أو تخفيف عمليات الإمداد اللوجستي لقوى التمرد.

الآن، وقد كسر النشاط التمردي، لا بد من التحضير لمرحلة جديدة وإن كانت صعبة تنفيذيا، لنزع الأسلحة الثقيلة من كل الفصائل عدا القوات الحكومية، فبقاء هذا النوع من السلاح يمكن أن يغري مرة أخرى اتجاهات التمرد، خصوصا بعد رفع أو تخفيف نشاطات المراقبة البحرية. لأنه من غير المتاح المحافظة على مستويات مرتفعة من هذه النشاطات إلى أجل غير محدد.

وفي وضع مماثل لظروف اليمن، ينبغي التركيز على تقوية أجهزة الأمن والمخابرات، وبما أن الموارد لا تساعد على تأمين مستلزمات الحصول على المعلومات من خارج اليمن، فيمكن معالجة الثغرات بمسلكين، الأول: تقوية التنسيق الاستخباري الإقليمي والدولي، والثاني: تقوية المؤسسات والمصادر الداخلية للوقوف على التدخلات الخارجية في اليمن، ضمن موارد وقدرات الدولة الداخلية. فكلما عانى تمرد مسلح من الانهيار توافرت فرص مثالية لتأسيس علاقات تعاون وصداقة قوية مع قيادات ومفاصل مهمة من هيكلية التمرد.

وتبقى نتائج النشاطات الأمنية والعسكرية مؤقتة إذا لم تعقبها عمليات إصلاح سياسي وإعادة ترميم العلاقات الداخلية والحرص على توزيع عادل للثروات المتاحة (على قلتها). وهذا يتطلب التشبث بالحصول على أكثر ما يمكن من الدعم المالي العربي والدولي، لتوفير فرص عمل لتقليص حجم البطالة، ومن مصلحة دول الخليج اتخاذ قرار استراتيجي بطي ملف 1990. فمتغيرات 20 عاما كافية لتغيير البوصلة، وأمن الخليج وأمن اليمن واحد لا يتجزأ.