حوار الدوحة

TT

مهم الحوار الذي حدث بالعاصمة القطرية الدوحة، سواء على هامش منتدى الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، أو ما دار بثنايا المنتدى نفسه، حيث ظهر لنا أننا نفشل في ترتيب أولوياتنا، بما فيها الأمنية!

وهذا ليس لغزاً، فأبسط مثال هنا الحوار الذي دار بين وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون والطلاب والطالبات بالدوحة، حيث تقول إحدى الطالبات تعليقاً على حديث الوزيرة الأميركية «إيران حرة بالحصول على السلاح النووي. لماذا يحق لأميركا أن تمنع إيران من ذلك؟». وتقول أخرى «هي (كلينتون) تقول إن الدول المجاورة لإيران تشعر بالتهديد، إلا أنني أعتقد أن أميركا هي من تشعر بالتهديد وتريد أن تجرنا إلى نزاع». بينما كان رد هيلاري أن قلق الدول الخليجية أكبر من قلق واشنطن فيما يتعلق بالنوايا النووية الإيرانية، مؤكدة أن هذه الدول «لا تريد أن تعيش في منطقة تشعر فيها بأنها مهددة». وهذا ليس كل شيء، ففي الدوحة أيضاً طالب الدكتور سعد الدين إبراهيم من السيدة كلينتون أن تمارس واشنطن الضغط على حكومة بلاده؟ فكيف نفهم هذا الأمر؟

فإذا كانت إيران تحتل جزراً إماراتية، وتفعل ما تفعله بالعراق، وتدعم حوثيي اليمن، وتخترق دول الخليج بالأموال، وتمول حزب الله الذي احتل بيروت بالمال والسلاح، وترسخ الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني، ناهيك عن 31 عاما من تصدير الثورة، وتأجيج الحس الطائفي، والأصولي، وفوق هذا وذاك، تصريحات الإيرانيين المتوالية عن أن الخليج العربي بمرمى صواريخهم، نجد بعد كل ذلك أن شبابنا لا يعتقدون بأن إيران النووية خطر علينا؟

فكيف لم يتنبهوا إلى أن نصف الإيرانيين، إن لم يكن أكثر، يعارضون حكومتهم اليوم، ويجابهون بالقمع، ليس لأنهم، أي المعارضين، يريدون السلاح النووي، بل لأنهم يريدون اقتصاداً جيداً، وحياة كريمة، وعلاقة طبيعية مع العالم؟ أمر محير بالفعل؛ فالشباب الذين يتعلمون أفضل تعليم يرون أن إيران لا تشكل خطراً، كما أنهم، أي الشباب الخليجي أو العربي، بعيدون عن رؤى حكوماتهم العربية، التي لا أقول إنها تريد حرباً على إيران، وإنما تشعر بخطورة طهران بكل تأكيد، والأغرب أننا نرى رجلا متعلما، ويدعو للديمقراطية، مثل الدكتور سعد الدين، يطالب واشنطن بالضغط على بلاده؟ أولم يصل الدكتور إلى قناعة بأن التغيير القادم من الخارج، ليس ذا جدوى، ألا يرى واقع العراق، مثلا؟

لا يمكن قراءة هذا الأمر إلا على أنه خلل يضرب منطقتنا ثقافياً، وسياسياً، ويبين أن هناك حالة من انعدام التوازن، وخلل في ترتيب الأولويات، وأن لدينا جيلا بعيدا عن الواقع. يقول لي أحد المسؤولين العرب بأن التنشئة العربية الإعلامية والسياسية في منطقتنا تتجاهل كل المخاطر التي تحيق بنا، بينما تركز فقط على الصراع مع إسرائيل. وهذا صحيح، للأسف، وبالطبع لا نقول إن الصراع مع إسرائيل أمر ثانوي، لكن على رغم الكوارث التي تمر بنا، من انقلابات، وحروب، وإرهاب، فإنه من السهل على الآخرين، إيران أو غيرها، استغلال قضايانا، ومصيرنا. وهذا خطر لا يقل عن خطورة الصراع العربي الإسرائيلي!

[email protected]