إقليم كردستان.. دعائم المشهد الأمني

TT

يُظهر الإرهاب المتنامي في العالم، أن تحقيق الأمن أصبح غاية لا تدرك بسهولة، بل يحتاج توفره جملة من التحضيرات اللوجيستية والقوانين والمواقف السياسية والخبرات الأمنية، وهذه الإجراءات لا تستثنى منها أعظم وأقوى الدول وأكثرها استقرارا. إذ ما من دولة إلا وفيها بؤرة توتر أو منطقة رخوة أو خاصرة تشكل تهديدا مباشرا أو غير مباشر، يستثمرها الإرهاب لزعزعة الأمن والاستقرار في أي لحظة.

لذلك تقوم كبريات دول العالم بمراجعة خططها الأمنية باستمرار، فلم تعد هناك حواجز منيعة تحول بين الإرهاب واختراق الأجهزة الأمنية، فالإرهابيون يتفننون بالوصول إلى أهدافهم وينوعون خططهم ويجددون أساليبهم، إذ لم تستطع أكثر الأجهزة الأمنية المتطورة والمسلحة بالأجهزة الإلكترونية الحديثة الوقوف في وجه تحقيق أهدافهم الخطرة بل تمكن الإرهاب من اختراق حتى استخبارات دول عظمى في بعض الحالات، لأنهم تمكنوا من التسلل إلى عقول حصلت على تعليم عال، مثل أطباء، ومهندسين، وغيرهم ومن ثم العبث بعقولهم عبر المؤثرات الدينية، فأنتجوا مخلوقات ذات أفكار متعصبة ومتطرفة لا ترحم ومسلحة بالعلم.

فإذا كانوا قد اخترقوا دولا مستقرة وآمنة، فهذا يعني أن مساحة اشتغالهم الأخطر وتأثيرهم الأقوى تكمن في الدول غير المستقرة سياسيا. فنزيف الدم مثلا في العراق لم يتوقف، وما زال حتى الآن يدفع العراق من دماء أبنائه الكثير، نتيجة الإرباك الأمني، والسياسي.

ولكن ما يجري في إقليم كردستان العراق، يشكل مفارقة كبيرة، فعلى الرغم من إحاطته ببؤر توتر داخلية إلى جانب اضطرابات دائمة على حدوده، حيث يتعرض بين الحين والآخر لقصف تركي أو إيراني بذريعة ملاحقة المتمردين فضلا عن مضايقات ومماحكات أخرى، فإن حكومة الإقليم تمكنت من فرض بيئة آمنة على الرغم من جميع الظروف، ويلاحظ ذلك عبر تدفق الزائرين والعمالة والباحثين عن الأمن من العراقيين، عربا ومسيحيين وصابئين وأيزيديين وغيرهم، إلى جانب تدفق الاستثمارات الأجنبية وبناء المشاريع والعمران والتطور والنمو في شتى المجالات..

فالأمن والاستقرار يعودان بدرجة أساسية إلى منظومة متكاملة من الاستعدادات، كما ذكرنا آنفا، لكن أي مدقق أو متابع للمشهد الأمني، يستطيع تشخيص أهمية ودور جهاز «الباراستن» (وكالة حماية أمن إقليم كردستان) في استتباب الأمن، وما حفزني للكتابة هو المقابلة التي أجراها مؤخرا رئيس الجهاز السيد مسرور بارزاني مع مراسل مؤسسة «جيمس تاون فاونديشن» فأنا لست هنا بصدد استعراض ما قاله بقدر ما أجد من مسؤوليتي كإعلامية ومواطنة، أن أشيد بدور هؤلاء الذين هم في مناطق الحجب الإعلامي، يعملون بصمت ومن دون أي ضجيج إعلامي يتحدثون قليلا ويعملون كثيرا لا كما يعمل بعض السياسيين، حيث ضجيجهم الإعلامي أكثر من فعلهم.. ومن اللافت للنظر أن الجهاز استطاع أن يمد جسور الثقة بين المواطنين وزرع الوعي الأمني بينهم مما سهل مهمته الأمنية عبر تبادل المعلومات الاستخبارية وهذه أولى أهم النجاحات التي تسجل له.

يقول مسرور: «إن إقليم كردستان جزء من العراق مما يعني أن تنشيط القوات الأمنية في الإقليم أو في بقية مناطق العراق تعزيز وترسيخ لأمن العراق، فلا يمكن النظر إلى إقليم كردستان على أنه وحدة مستقلة بل هو جزء من العراق حقوقا وواجبات، أي أن حماية إقليم كردستان هي حماية لجزء مهم من العراق كدولة موحدة وهذا بصراحة واجبنا ومسؤوليتنا». وهذه الإجابة رد على الفاشيين والعنصريين والمشككين الذين يثيرون اللغط هنا وهناك عن عزلة الإقليم! أو أن أربيل تضع العراقيل في وجه الزائرين من بقية المحافظات العراقية، فأربيل تستقبل المئات من العراقيين يوميا من دون اعتراض أو منع أي شخص سوى بعض الإجراءات الأمنية التي لا تتجاوز النصف ساعة.. في حين الزائر لبغداد سيتوقف أكثر من هذا الوقت فضلا عن استقبال اليد العاملة بعشرات الآلاف ناهيك بالمهجرين..، وهذا يدحض ما تروج له بعض وسائل الإعلام الشوفينية. عموما ما كان ليتحقق الأمن، لو لم يكن هناك جهاز على مستوى عال من الأهلية والوعي السياسي والتخطيط الاستراتيجي.

* كاتبة وأكاديمية

من إقليم كردستان العراق