معارك غير بريئة..

TT

عندما انتهت الحرب العالمية الثانية خرج الفريق المنهزم فيها وتحديدا كل من اليابان وألمانيا بأعباء سياسية ونفسية واقتصادية غير بسيطة. وبعد أن تم إلغاء المشاريع السياسية التوسعية الفاشية منهما بدأتا في التركيز وبجدية كبيرة على البرنامج الاقتصادي. وبدأت كل منهما على حدة بتطوير البنى التحتية المطلوبة لإرساء القواعد الأساسية لبناء اقتصاد مميز كان نتاجها علامات تجارية مميزة مثل تويوتا ومازدا وهوندا ونيسان وصني وباناسونيك وهيتاشي وتوشيبا في اليابان، ومرسيدس وبي إم دبليو وفولكس واجن وماجيروس وبورشه في ألمانيا.

وفي اليابان تحديدا تحولت هذه الدولة إلى قصة نجاح خارقة وأسست شركاتها العملاقة التي عرفت باسم «السوجا شوشا» كبيوت تجارية شاملة تعمل في كافة المجالات وعابرة للقارات وقدمت نموذج الإدارة الفريد والناجح والمعروف باسم «كايزن»، وهو نفس النموذج في الشركات الذي اتبعته كوريا عبر شركاتها العملاقة التي عرفت باسم «شيبول»، وباتت الشركات اليابانية تحتل أعلى المراتب وتحصل على أعلى علامات التقييم في الجودة والدقة والقيمة بشكل متواصل، وأصبحت تويوتا مضرب الأمثال في ذلك، وتدريجيا تحولت هذه الشركة إلى أكبر شركات السيارات في العالم، وأصبحت سياراتها الناجحة «الكورولا» أكثر السيارات مبيعا وتحولت سياراتها الفاخرة «لكزس» إلى الماركة التي تحصل على أعلى درجات الرضا والاستحسان بين العملاء في ظرف زمني سريع وقياسي غير مسبوق. والآن تتعرض تويوتا لأزمة علاقات عامة خطيرة مع استدعاء الشركة لبعض أنواعها المصنعة في الولايات المتحدة الأميركية بسبب شكوى في قطعة غيار ببدال السرعة تجعل السيارة تزداد سرعتها فجأة مما يعرض السائق ومن معه لخطر الصدام المفاجئ. ولكن هناك شيء «غير طبيعي» يحدث هنا، فاليوم شركة جنرال موتورز، وهي الشركة الأميركية الأكبر، فعليا تمتلكها الحكومة الأميركية بعد تدخلها بالتمويل الحكومي لإنقاذها من الإفلاس، والهيئات الحكومية التي «تقيم» السلامة والأمان لتويوتا وغيرها هي هيئات حكومية (نفس ملاك جنرال موتورز) ويبدو الحكم القاسي الصادر على تقييم تويوتا غير موضوعي، خصوصا إذا ما تمت المقارنة بنفس المشاكل التي حدثت لبعض موديلات جنرال موتورز وفورد وتسببت في أعداد وفيات أكبر بكثير من حوادث تويوتا المحدودة.

إنها حرب تجارية عابرة للقارات ضحاياها مئات البلايين من الدولارات. الصدمة التي تلقتها تويوتا وتأخرها في التعامل مع الحدث أصاب سمعة الشركة بأضرار حولتها لمصدر للنكات والهزل بشكل غير مسبوق في تاريخها اللامع، وبالتالي في التشكيك في سمعتها وجودتها (وهو الهدف الأكبر) وهذا أثر على المبيعات وعلى أهداف نمو الشركة الموضوعة في سنوات من التحدي المالي غير البسيطة. سيكون مثيرا ومهماً التمعن في هذه التجربة ومراقبتها وكيف سيكتب لتويوتا النهوض من هذه الأزمة واستعادة الثقة بعد ضربة استباقية أميركية غير بسيطة. الفصول القادمة تستحق المتابعة لأن الضرب مستمر وبضراوة.

[email protected]