إنني أسأل عن تليفون «الأرملة»

TT

عندما كنت أجلس في الطائرة مسترخيا ومستكينا، عرضت عليّ المضيفة - جزاها الله خيرا - مجموعة من «العصيرات»، اخترت منها كأسا من عصير الطماطم وأخذت أرتشفها باطمئنان مبالَغ فيه.

وفوجئت بشيخ معروف كان يجلس في كرسي غير بعيد عني يقوم من مكانه ويقف أمامي قائلا بغضب: «إخس عليك تشرب (بِلَدي ميري)»، ولأول مرّة في حياتي أسمع بهذا الاسم الغريب!

عندها اهتزّت الكأس في يدي وأبعدتها عن فمي، ولم أستطع أن أجيب عليه، غير أن كلمة «الإخس» هذه أثارت حفيظتي وجعلتني «اتحرقص» خوفا من أن تكون تلك الهبلا قد وضعت لي سُمّا أو متفجرات، ولم أملك إلا أن أتجه إلى تلك المضيفة لأسألها عن ذلك الاسم، وعندما شرحت لي مكوناته صُعقت وأخذت أتساءل بيني وبين نفسي: «إيش عرّف الشيخ بـ(بِلَدِي ميري)؟! صحيح إيش عرّفه؟!».

على أي حال جزى الله ذلك الشيخ الوقور ألف خير لأنه نبهني وأثرى معلوماتي عن ذلك المخزي الذي يقال له «البِلَدِي ميري» لكي لا أُخدع به، مثلما جزى الله المضيفة كذلك خيرا على كأس الطماطم «السك» التي لم أجد ألذّ منها.

وبما أننا بصدد (البِلَد) - الذي هو (الدم) - فيقال إن الممثلة الشهيرة سارة برنارد عندما مرضت وكان لا شفاء لها إلا أن ينقل لها الأطباء دما من فصيلتها إلى جسمها، رفضت ذلك وقالت بكبرياء تُحسد عليها: «خير عندي أن أموت، من أن أعيش وفي عروقي قطرة دم واحدة من غيري»، وما هي إلاّ أيام حتى ماتت.

بالنسبة إليّ لا مانع عندي من أن تُضَخّ في عروقي لترات كاملة من دم أجمل فتيات العالم - على شرط أن آخذ «الضمان» الكامل من الأطباء، أن لا تصيبني بعدها أي لوثة نسائية والعياذ بالله، وأن لا تكون مصيبة - ساعتها ما أحلاني وأنا أمشي في الشارع.

* * *

من قراءاتي أنه كان زوجان ينعمان بالدفء في منزلهما الأنيق بعد عشاء لذيذ، وأمام إبريق القهوة الساخن، راحا يفكران في المستقبل، إلى أن فتح الله على الزوج فقال لها بهدوء وهو ينفث دخان سيجارته: «اعلمي يا بعد روحي، أنه عندما يموت أحدنا، فإنني أعدك أنني سأنسحب إلى الريف لأحيا فيه».

* * *

وهذه سمعتها «موثقة» من أحدهم عندما روى لي هذه الحادثة وقال: هي فتاة «رعبوبة وكلبوزة» لا يزيد عمرها على ثمانية عشر عاما، وأصرت والدتها الأرملة على تزويجها بـ«مليونير» في الثمانين من عمره، فرفضت الفتاة وانخرطت في البكاء المرير، فقالت لها أمها: «صحيح أنه في الثمانين من عمره، ولكن دخله السنوي يزيد على ستة ملايين، ألا تعرفين قيمة الستة الملايين؟! إنها تعني خمسمائة ألف شهريا يا حمارة».

فردت عليها البنت وهي لا تزال تشهق بالبكاء: «لا يا ماما، ولكنني أعرف قيمة الثمانين عاما».

فما كان من الأم الأرملة إلا أن تشدها من شعرها وتطرحها أرضا، ثم تدوسها بقدميها وتتوطى ببطنها وهي تزعق بها: «صحيح أن وجهك ما هو وجه نعمة».

عندما انتهى من كلامه، سألته سريعا: «هل عندك تليفونها؟!».

فردّ عليّ أسرع من سؤالي قائلا بزعل: «عيب عليك، استحي على وجهك، تسألني عن تليفون البنت؟!».

قلت له: «أنت فهمتني غلط، أنا أسألك عن تليفون الأرملة، لكي أشكرها فقط لا غير».

[email protected]