حصحص الحق يا إدارة البيت الأبيض

TT

قد لا يجد ضباط المخابرات والمحللون متعة في التحليل مثلما وجدوها في حديث السفير الأميركي لدى العراق كريستوفر هيل، المنشور في جريدة «الشرق الأوسط» يوم 18 فبراير (شباط) الحالي. ففيه نوه بما يمكن لأميركا فعله في العراق، متوخيا الدقة في تشخيصه للدور الإيراني الخطر، وحدد أفق العلاقة بين العراق وبلاده. فاختصر وقت المحللين، لكنه لم يشف قلوب المظلومين، ولم يعط بارقة أمل للمنطقة.

إذا كان السيد هيل قد سعى بحديثه إلى شحن الموقف العربي ضد «البلطجة» الإيرانية، فالعرب متذمرون من التصرفات الإيرانية بما فيه الكفاية، وإن كانوا بحاجة إلى جرعة «ثورية» متوازنة بدأت ملامحها تتبلور بتصريحات تحذيرية تستحق التفاعل أميركيا. وإذا كان يبغي التخلص من المسؤولية التاريخية والأخلاقية، فإن أميركا مسؤولة بحكم الوقائع، ولن تتخلص منها إلا بتعديل نهجها.

أتمنى على أحد مراكز الدراسات العربية دعوة السيد هيل إلى لقاء مفتوح في دولة عربية، أو في لندن، مع نخبة من الصحافيين الاستراتيجيين، ينقل على الهواء مباشرة بلا رقيب. فمثل هذا اللقاء سيكشف المستور من العجائب. وعندئذ سيوضع المتحجرون من أتباع ولاية الفقيه في «قمع جوزة» كما يقول العراقيون.

مما قاله السفير هيل «نحن نقول للعراقيين، إذا عملتم معنا فسيكون العراق عضوا في المجتمع الدولي، وستتمتعون بالاحترام أينما ذهبتم، وستكونون شريكا استراتيجيا للولايات المتحدة. لا نستخدم الأسلوب السلبي: لأن لدينا قوات في بلدكم ويمكننا أن نؤذيكم»، مضيفا «ونقول لهم إذا ذهبتم مع إيران سيكون الطريق مختلفا معكم». وفي هذا تلويح واضح باستخدام القوة. حسنا، ألا تكفي المؤشرات للتوصل إلى صورة حقيقية مجسمة عمن يعمل مطية لولاية الفقيه؟ ووجه هيل انتقادات شديدة اللهجة إلى إيران، قائلا إنه «لا يوجد شك في أن إيران أظهرت وجها حاقدا جدا في العراق، وهذا يعني أن علينا أن نكون حذرين من التدخل الإيراني الحاقد المستمر في العراق». وبالإضافة إلى انتقاد تسليح إيران للميليشيات، قال هيل إن «الصواريخ التي تقع على رؤوسنا في المنطقة الخضراء هي إيرانية الصنع». وهنا استخدم هيل الحد الأقصى في التوصيف بكلمة «جدا»، ومع حرصي على التقليل من استخدام هذه الكلمة، فالوقائع تحتم البحث عن كلمات أقوى حدة وتعبيرا. لكن العراقيين سيتشفون، للأسف، بالسفارة الأميركية بسبب مساندتها لعملاء إيران في المؤسسات العراقية! ولو تعاملت مع من استعداهم بريمر من قادة الجيش والأجهزة لما حدث ما حدث ولن يتكرر!

وتوقع هيل أن يستغرق تشكيل الحكومة الجديدة «أسابيع إن لم يكن شهورا». وأقول إنه ربما كان متفائلا أكثر من اللازم. فالحل المطلوب ينبغي أن يكون منصفا ومتوازنا ويبعد العراق عن الهيمنة الخمينية، وليس أن يؤسس على الظلم. والنجاح الحقيقي لا يبنى على تفهم الخاسرين أن عليهم مسؤولية أكبر من غيرهم، إذا ما شعروا بالظلم والإجحاف والإقصاء المتعمد. وإلا لسكت الذين شعروا بالظلم في الانتخابات الإيرانية. وهذا يقود إلى تشجيع الأميركيين على عدم القبول بفرض سياسة قهرية على المرشحين الليبراليين. فالاختبار الحقيقي للنجاح لن يكون في ضبط تصرفات الخاسرين، إذا ما تأكد أنهم مظلومون.

يا سعادة السفير. إذا كان مسؤولون إيرانيون حاقدين جدا «وهم كذلك»، فلماذا لم تتعاملوا مع قوى المعارضة الإيرانية كما ينبغي التعامل، في العراق وكل مكان آخر من العالم؟ وهل يجوز تصديق ادعاءات الحاقدين؟ ولماذا لم تساندوا تحرك الدكتور عادل عبد المهدي وغيره، لسحب الثقة عن حكومة «أبدعت» في الخضوع لولاية الفقيه، ولو نكاية بمعارضة نظام المرشد الذي أجهض الفكرة؟

الحقيقة التي ربما لم يصارحكم بها قسم من العرب هي أنهم غير راضين عن أدائكم، ويشككون في نياتكم، أو على الأقل، مستغربين تراخيكم مع قوى الشر القادمة من جهة الشرق! ومن أكثر ما يقلقهم أن يروا العراق يبتعد عنهم، ولا أقول الخشية من تطور الأوضاع إلى حالة تجر إلى تحالف عراقي إيراني وفق مفاهيم أكل الدهر عليها وشرب، فتتجه المنطقة إلى صدامات أو حرب باردة أو فترة فتور لا يخدم التعاون الإقليمي.

لقد حصحص الحق فنطق السيد هيل، ولا يزال الوقت متاحا للمراجعة ولاتخاذ خطوات لهم بها سوابق. ومرة أخرى أقول لهم: لا تدعوا الناس يرددوا مقولة صدام «الأميركيون متآمرون».