بين الابتعاث والبطالة!

TT

تشهد السعودية منذ سنوات برنامجا للابتعاث تبناه - برؤية طموح وحكمة بالغة - خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، واستفاد من هذا البرنامج آلاف الطلبة والطالبات الذين التحقوا بالكثير من الجامعات في الشرق والغرب، وها هي طلائع الخريجين العائدين تعلن بيادر النجاح لهذا البرنامج الذي يلقي عليه الوطن آمالا كبيرة في دعم مسيرته وتعزيز نهضته، لكن هل غيّر «بعض» القطاع الخاص الذي تذرع طويلا في الماضي بضعف مخرجات تعليمنا تهربا من مسؤولية توطين الوظائف، من نظرته التقليدية، وفتح ذراعيه لاستقبال العائدين من الجامعات العالمية في شركاته ومؤسساته؟

سؤال دفعني إلى طرحه تعرُّفي إلى شاب مضى على عودته إلى الوطن يحمل درجة الماجستير في تخصص حيوي وهام قرابة العام دون أن يجد لمكتسباته العلمية حقلا يسهم فيه بما تعلم، وأعرف آخر يحمل درجة البكالوريوس في الهندسة الصناعية، يقضي وقته من صباح العالمين إلى ليل الكادحين، وهو «يعمل مفتشا» عن وظيفة، ولم يزل حتى كتابة هذه السطور يواصل البحث، وأنا على ثقة بأن آخرين يواجهون نفس المصير، وتكمن الخطورة في أن هؤلاء يمثلون طلائع الخريجين، فكيف سيكون الحال حينما تزداد أعداد العائدين إلى الوطن في نهاية كل فصل دراسي؟!

أعرف أن سلطة «البازار»، أو «بعض» القطاع الخاص في السابق قاوم طويلا عملية توطين الوظائف بحجج واهنة، وفي مقدمتها التذرع بضعف مخرجات التعليم في جامعاتنا، وكان لوزير العمل الدكتور غازي القصيبي - شفاه الله - صولات وجولات مع هذا القطاع، ولكن لا أحد يمكنه أن يجزم بأن القصيبي استطاع أن يحقق الكثير من طموحاته في تطويق البطالة، أو توطين الوظائف، فلا تزال الكثير من مؤسسات القطاع الخاص تحتفظ بموظفيها المتعاقدين السابقين الذين دافعت طويلا عن وجودهم، وكأنهم خريجو «هارفارد» أو «كامبريدج» أو «أكسفورد»، مع أن الأمر لا يتجاوز أن يكون حالة نفسية تكيف معها «بعض» القطاع الخاص، وأصبح أسيرها!

واليوم لكي لا تهدر الملايين التي أنفقناها على شبابنا المبتعثين، ولكي لا ندخل في نفق بطالة المتعلمين، فإن على وزارة العمل الانتقال إلى مرحلة أكثر جدية وصرامة في إحلال هؤلاء الخريجين - من الداخل أو الخارج - في الكثير من المواقع التي يحتلها إخواننا الوافدون الذين هم أول من يتفهم ظروفنا، خصوصا بعد سقوط ورقة ضعف مخرجات التعليم التي تذرع بها الممانعون في القطاع الخاص طويلا.

أخالنا في وضع يتطلب الحسم السريع، فليس ثمة وقت لانتظار نتائج التدرج البطيء في توطين الوظائف، وماكنة الجامعات تنتج آلاف الخريجين من أبناء الوطن سنويا.

[email protected]