أنا في غوغل؟ إذن أنا موجود

TT

بات من مألوف التواصل الحديث أن يعمد واحدنا إلى التنقيب عن اسم شخص لنعرف من هو أو ماذا يفعل أو ماذا يقال عنه في محرك البحث «غوغل» أو محركات بحث أخرى. مؤسسات كبرى باتت تراجع مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيس بوك» و«تويتر» لترصد كيف يقدم الأشخاص أنفسهم قبل أن توافق على طلبات التحاقهم بوظيفة ما، إذ تظهر أساليب تعريف الشخص لنفسه على موقعه الاجتماعي الخاص مقومات أساسية في شخصيته قد تشكل عاملا حاسما في توظيفه.

في عصرنا، من لا يقترن اسمه بملف ما في محركات البحث الإلكترونية هو ربما ببساطة غير موجود بالمعنى المتداول اليوم لكياناتنا الافتراضية. بالتالي بتنا معنيين بماذا يُنشر ويُكتب ويُتداول عنا في الفضاء الافتراضي لأنه ببساطة سيبقى وسيسجَّل علينا ويصبح تاريخا شئنا أما أبينا...

هذا ما دفع ربما بمنظمة «Arab Media Watch» إلى الاحتجاج على نتائج البحث التي يقترحها محرك «غوغل» لدى البحث عن كلمة «عرب» باللغة الإنجليزية والتي بحسب المنظمة هي في الغالب نتائج مسيئة.

ربما ما استخلصته هذه المنظمة صحيح، لكن الأكيد أيضا أن النتيجة نفسها تصحّ لدى البحث بالعربية عن قوميات أخرى وعن أديان وطوائف ومذاهب. إنها نتيجة مماثلة لدى البحث عن «السود» أو «اليهود» أو «الآسيويين» أو «المرأة». فالبحث الذي هو عملية تقنية خالصة يُظهِر معلومات اعتمدت في عمليات البحث السابقة التي جرت عن الكلمة نفسها. في نهاية الأمر فإن عملية البحث ستظهر ما تم إدخاله إلى الشبكة الإلكترونية وما أُدخلَ باللغة العربية ليس فيه الكثير مما يمكن إدراجه ضمن خانة المعرفة.

وفي مقابل غزارة النتائج باللغة الإنجليزية وهي بسبب غزارة الكتابة والإنتاج والبحث بتلك اللغة، فإن النتيجة بالعربية هي مخيّبة بالتأكيد خصوصا لجهة النوع. التاريخ الحديث واليومي يدوَّن بطرق غير تقليدية والجميع مشارك في كتابة هذا التاريخ بغثه وسمينه. ولكي يحصل العرب على إنصاف لدى البحث عنهم فلا بديل من أن يسهموا بتقديم مادة للباحث عن وجودهم.

كي تكون محركات البحث منصفة لنا ولتاريخنا فعلينا أن نكفّ عن اعتبارها مجرد شاشة ناقلة. في أوروبا والغرب هناك بحث جدي وشعور بالوعي والمسؤولية تترجمه غزارة المواد وتنوعها. عربيا، لا يزال وسيلة إيصال سلبية هي أقرب إلى التلصص واستراق النظر منها إلى البحث.

إسهامنا في عملية التدوين الإلكتروني متواضع، ناهيك بأن هذا الإسهام المتواضع لا يشفي تطلّب الباحث عنّا، وهو ما يدفعه إلى اللجوء إلى ما كتب عنا لا إلى ما كتبناه على أنفسنا. إنها معضلة المؤرخ القديمة فمَن يسعَ للبحث في التاريخ الإسلامي بصفته مادة مدوَّنة لن يتمكن من تفادي اللجوء إلى مراجع غير عربية. اليوم يتكرر هذا الأمر مع «غوغل» التي عندما شرعتُ في رصد ما يجيب عليه محرك البحث عندما نطلب منه إفادتنا عن قضايا متعلقة بنا فهو سيستعين بمخزون إسهامنا فيه هو للأسف إسهام متواضع.