المقاطعة أم المواجهة؟

TT

شهدت قبل أيام على مسرح اليونغ فك بلندن مسرحية «أنا يوسف وهذا أخي» لعامر نزار الزعبي من عرب إسرائيل. كانت أروع ما شهدته من الإنتاج المسرحي الفلسطيني. أثنت عليها معظم الصحف البريطانية الرئيسية كـ«الغارديان»، ولقيت إقبالا واستحسانا عجيبا من الجمهور البريطاني، فاستمرت في العرض لثلاثة أسابيع، والشاطر من يحصل على مقعد في القاعة. عرضت المسرحية مأساة النكبة برمزيات وأجواء وأغان أطلقت الدموع من عيني أكثر من مرة.

التقيت بالممثل الرئيسي يوسف أبو وردة في مطعم المسرح. سألته عما إذا كانت هناك نية لعرض المسرحية في العالم العربي. قال: لا يسمحون لنا لأننا من إسرائيل. جرّنا ذلك إلى موضوع التطبيع والاتصال بين الطرفين. وتزامن النقاش مع الضجة التي جرت في اتحاد الكتاب العرب في دمشق بشأن العرب الذين يشتركون مع إسرائيليين في ندوات ونشاطات ثقافية. يرى أبو وردة أن الامتناع عن ذلك يعني الخوف من المواجهة، وكأن الحق ليس في جانبنا أو لا قدرة لنا على طرحه والدفاع عنه. قال وقلت معه هذا موضوع يجب أن يترك للأديب أو الناطق العربي. المفروض أن يكون لديه من حسن التفكير ما يؤهله لتقدير كل موقف وكل قضية ومناسبة، فيقرر ما إذا كان الاشتراك مع إسرائيلي سيكون مفيدا لنا ويخدم الحق والحقيقة.

الابتعاد عن عرب إسرائيل شيء سقيم ومقرف، سيؤدي في الأخير إلى فقدهم، فابتعادنا عنهم سيؤدي بهم إلى ابتعادهم عنا. سيتوجهون للعمل في إطار اللغة العبرية بعيدا عن اللغة العربية، وسرعان ما ينشأ أولادهم وأحفادهم في إطار الثقافة العبرية ويرمون تراثهم العربي في سلة المهملات.

ووصفته بالقرف لأن من يستحقون المقاطعة في الواقع هم الذين هربوا من وجه الإسرائيليين ولاذوا بالعواصم العربية والأوروبية فنالوا المناصب العالية والامتيازات السخية وعاشوا عيشة رضية، بعد أن حولوا القضية الفلسطينية إلى تجارة. عرب 1948 هم من صمدوا ضد الإسرائيليين وآثروا مواجهة الاحتلال وتحدي سلطته ووجودهم كشوكة في أعين حكامه، لا يعرف كيف يتخلص منها. يستحقون منا كل الإكبار والإعجاب. يكفيهم معاناة تذكرهم لما قاله المتنبي وعيشهم بكلماته يوما بعد يوم:

فاحتمال الأذى ورؤية جانيه

غذاء تضوى به الأجسام

هناك نقطة أخرى. كثيرا ما اشتكى اليساريون الإسرائيليون المتحمسون للقضية الفلسطينية من صدودنا ضدهم. يقولون إن هذا الصدود يضعف جانبهم ويفتت دورهم، فالصهاينة يقولون لهم: انظروا. هؤلاء العرب الذين تدافعون عنهم غير مستعدين حتى للسلام عليكم أو الجلوس معكم، وهذا ما حصل لصديقي شمعون تسبار. تحداه الملحق الصحافي الإسرائيلي أن يأتيه بعربي واحد مستعد للجلوس معه. قال لي: «خالد، أرجوك أن تدحض ادعاء هذا الرجل. تعالَ للعشاء في بيتي واجلس معنا»، «ولا يهمّك»، قلت له هذا وذهبت إلى بيته ولكن الدبلوماسي الإسرائيلي لم يجرؤ على الحضور، فأكلت حصتي وحصته أيضا من الطعام.

يجب أن تكون لنا الثقة بأنفسنا وبقدرتنا على المواجهة والدفاع عن حقوقنا وقضيتنا.