استراتيجية الصين تتحكم في العقوبات على إيران

TT

الحصار الدولي على إيران لن ينجح، فهناك الصين. الحرب قد تقع، إذ شاءت إيران نشوبها على خطوط دفاعاتها الأولى، البعيدة جدا عنها، أي في لبنان. إسرائيل غير قادرة، في هذه المرحلة على الأقل، على قصف إيران التي ترغب في الحصول على السلاح النووي لأهداف عسكرية بحتة وليس لأهداف سلمية. الآمال معلقة على ثبات ومثابرة الشباب الإيراني في الداخل، لإحداث تغييرات داخلية وإقليمية ودولية، لكن ربما ليس لإجراء تغييرات في السياسة الخارجية الإيرانية.

النظام الإيراني ينتعش بالفوضى ويستمتع بالتسبب فيها ومراقبتها. المسؤولون الإيرانيون غير مهتمين بتحرير أحد. طلب الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد من أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الاستعداد لشن حرب على إسرائيل تزيلها من الوجود و.. تزيل لبنان أيضا. والأخير طمأنه بأن جهوزية الحزب وصلت إلى ذروتها! كلما كان هناك ضغط على إيران بسبب طموحها النووي، دفع لبنان الثمن، كما حصل عام 2006.

الدكتور رسول نفيسي، مؤلف كتاب «الحرس الثوري الإيراني»، والأستاذ في جامعة «سترايير» الأميركية يؤكد أن القرار الأخير في السياسة الخارجية الإيرانية بيد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، في السابق كانت له الكلمة الأخيرة، الآن هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في القرار، تحيط به مجموعة لها التوجهات نفسها وتخضع لسيطرته الكاملة، والكل من الحرس الثوري الإيراني. ويرى أن أولويات هذه المجموعة تدور حول حماية النظام «إنهم يريدون البقاء، لشعورهم بأن إسرائيل والولايات المتحدة والدول المجاورة تهددهم»، يريدون حماية عوائلهم «وهنا نتحدث عن نسبة كبيرة من الفساد داخل إيران»، ويريدون نشر التشيع «ونلاحظ هذا من دعمهم للحوثيين في اليمن، فهؤلاء ليسوا من الاثنا عشرية، إنما يبقون في نظر إيران فرعا من الشيعة، ومن تدخلهم في العراق، وإنشائهم ودعمهم لحزب الله في لبنان»، وآخر ما يقلقهم هو الوضع في إيران.

حماية النظام استدعت إنشاء قوات خاصة به. مهمة الجيش النظامي في الجمهورية الإسلامية حماية الحدود، هو من بقايا نظام الشاه، والثورة منذ بدايتها لا تثق به. أوجدت قاعدتها العسكرية عبر إنشاء «الحرس الثوري» الذي يتمتع بثقة القيادة. أكثرية قادته عرفها رجال الدين خلال الحرب العراقية - الإيرانية، ثم إن مهمة «الحرس الثوري»، حسب الدستور الإيراني: حماية الثورة، وهذا يعني أنه قوة سياسية وعسكرية معا.

وعن عدد الفرق العسكرية في إيران يقول الدكتور نفيسي: رسميا هناك الجيش والحرس الثوري، لكن هناك الميليشيات: «الباسيج» وهم الطابور الخامس التابع للحرس، و«أنصار حزب الله» وهؤلاء يتنقلون بملابس مدنية، مهمتهم قمع الناس والتجسس عليهم، وهناك «قوات القدس» وتهتم بالأنشطة الخارجية وتعمل في العراق ولبنان، ثم «قوات الشرطة». لدى إيران طبقات من القوى الأمنية.

يعتقد النظام الإيراني أن خطته هذه نجحت مبدئيا، اهتمام أيديولوجي بفلسطين، فيما الحقيقة أنه يريد نشر نفوذه في المنطقة لدعم قواه الشيعية، ولمواجهة إسرائيل وأميركا في دول أخرى يحولها إلى خطوط دفاعية، بحيث تؤمن حماية بقائه، لكن العالم يركز على البرنامج النووي الإيراني وكل تصريحات المسؤولين الإيرانيين وصولا إلى خامنئي (رجل الدين) بأن رغبة إيران في الحصول على النووي لأهداف سلمية، لا تقنع أحدا. لا، بل هناك اقتناع بأن إيران تريد الحصول على السلاح النووي لمنع أميركا من غزوها.

يذكرني الدكتور نفيسي، أنه عندما انتهت الحرب مع العراق عام 1988 كتب قائد الحرس الثوري آنذاك، محسن رضائي، رسالة إلى آية الله الخميني قال فيها: «ما لم تملك إيران التكنولوجيا النووية، فإننا لا نستطيع إنهاء هذه الحرب، ومن الأفضل الآن التوصل إلى هدنة مع العراق».

هذه الرسالة نشرها لاحقا آية الله هاشمي رفسنجاني، وكان الهدف من النشر التأكيد على أن النظام الإيراني يتطلع إلى الحصول على السلاح النووي، وليس الحصول على التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية. وانطلاقا من هذه الرسالة، يؤكد الدكتور نفيسي أن النظام الإيراني يريد الإسراع في إنتاج السلاح النووي، وذلك لإخافة إسرائيل وأميركا والدول المجاورة وأيضا.. والشعب الإيراني.

إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الحكام الحقيقيين لإيران هم خامنئي والحرس الثوري، كونهم يسيطرون على كل مقومات إيران الاقتصادية والسياسية والعسكرية. فإن دعوات الولايات المتحدة لفرض المقاطعة على الحرس الثوري ستصب عند بعض الدول في آذان صماء. فالحرس هم الذين يشرفون على العقود النفطية مع الصين ومع الشركات الأوروبية وشركات النفط. يقول الدكتور نفيسي، إن النظام الإيراني غير مهتم بالتفاوض أو التقارب مع الولايات المتحدة، فالنظام مرتاح لدعم الصين، ثم إن تطور الأحداث في المستقبل، في المنطقة، سيقرره النفوذ الصيني فيها.

يضيف: إذا نظرنا إلى دور الصين، وإلى أن أميركا مدينة للصين بما يقرب من التريليون دولار، وإذا نظرنا إلى دور الصين الاقتصادي المهم، نرى أن الصين ترحب بأن تكون إيران إلى جانبها، وبالتالي يتوق الإيرانيون إلى الصين، فالنظام في البلدين متشابه إلى حد ما.

ويعتقد الدكتور نفيسي، أن المقاطعة الدولية على الحرس الثوري، طرحته واشنطن للاستهلاك المحلي، ومن أجل الإيحاء للحزب الجمهوري بأن الرئيس باراك أوباما يفعل شيئا ما، وفي الحقيقة هو تهديد فارغ ولن يؤدي إلى شيء.

وأسأله، وكيف تستطيع الولايات المتحدة التعامل مع إيران؟ يجيب: إنها لا تستطيع. لأن إيران بعيدة عن نفوذها. حتى لو هاجمت أميركا إيران فإن التداعيات ستكون سيئة، وكل ما تستطيع أميركا عمله هو ألا تعمل شيئا، لأن الشعب الإيراني يأخذ الأمور بيديه الآن، ربما الشيء الوحيد المفيد الذي تستطيع أميركا فعله هو مساعدة الشعب الإيراني في الحصول على معلومات وإخبار العالم، لأن النظام الإيراني يشوش على كل الوسائل الإعلامية المتوفرة. ثم على واشنطن أن تتصرف بصدقية واستقامة، بعدم التعامل مع النظام الإيراني، بل بدعم الشعب الإيراني. وليس بالمواربة، أي أن تجري مفاوضات سرية مع النظام، وتقول إنها تدعم الشعب الإيراني.

الصين كانت واضحة في مواقفها، بأنها لن تسمح بوقف إمدادات النفط الإيراني. الآن بدأت في واشنطن موجة فرض عقوبات على الحرس الثوري، لكن هذا لن يؤدي إلى منع إيران من الحصول على السلاح النووي، أو إلى تغيير النظام. أميركا فكرت في أن السعودية يمكن أن تحل محل إيران في توفير النفط للصين. يقول الدكتور نفيسي: «يمكن للحكومة السعودية أن ترفع من إنتاجها النفطي في ليلة واحدة، لتحل ليس محل إيران فقط، إنما محل عدة دول أخرى. لكن المسألة مختلفة، إن للصين نفوذا استراتيجيا في المنطقة، وإيران هي حليفها الاستراتيجي، والسعودية لن تكون حليفا للصين، إنها حليف الولايات المتحدة، فيما الصين تحاول أن تحل محل الولايات المتحدة في المنطقة، وإيران دولة مهمة للصين لفرض نفوذها».

أمام عقبة فرض حصار فعلي، ارتفعت نغمة تغيير النظام في إيران على لسان الكثير من المعلقين الأميركيين، لكن لا أحد يعرف كيف يكون هذا، ويعتقد الدكتور نفيسي بأن هذا الحديث هو أمر استراتيجي أكثر منه عملي.

وماذا عن دور إسرائيل في هذه الحالة؟ حيث يردد رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ضرورة فرض حصار على إيران، حتى من دون موافقة مجلس الأمن. يعتقد الدكتور نفيسي أن إسرائيل قلقة من التكنولوجيا النووية الإيرانية، «لكن الإسرائيليين شعب واقعي». يقول إن إسرائيل تواجه خطرين. الأول: السماح لإيران بأن تصبح الخصم النووي في المنطقة، (لا أعتقد أن هذا خطر، لأن إيران بقنبلة نووية لن تختلف عن إيران اليوم، إذ لديها ما يكفي من الأسلحة التقليدية لزعزعة المنطقة والتنافس مع إسرائيل).

الثاني: أن تتورط مباشرة في الهجوم على المنشآت النووية. أيضا هذا ليس بالأمر السهل، إذ لا تملك إسرائيل حتى الآن التكنولوجيا المطلوبة لذلك، ثم، لتدمير المنشآت النووية الإيرانية على إسرائيل أن تقوم بـ120 طلعة يوميا فوق إيران، وكيف تستطيع ذلك إذا رفضت تركيا السماح للطائرات الإسرائيلية بالتزود بالوقود؟! كما أن الدول المجاورة لإيران لن تسمح بعبور الطائرات الإسرائيلية في أجوائها.

ويستطرد الدكتور نفيسي: لنفترض أن إسرائيل هاجمت إيران ودمرت المنشآت النووية، فإن إيران قادرة على إيذاء إسرائيل، عندها كيف سترد إسرائيل على الهجمات الإيرانية ستضطر إلى استعمال السلاح النووي ضد إيران، وهذا أسوأ سيناريو لمستقبل إسرائيل في المنطقة.

لو كان في قدرة إسرائيل الهجوم على إيران لفعلت منذ زمن طويل،